{ 7 - 17 } { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }
يقول تعالى : { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ } [ وهذا شامل لكل فاجر ] من أنواع الكفرة والمنافقين ، والفاسقين { لَفِي سِجِّينٍ }
قوله عز وجل :{ كلا } ردع ، أي ليس الأمر على ما هم عليه فليرتدعوا ، وتمام الكلام ها هنا ، وقال الحسن : { كلا } ابتداء يتصل بما بعده على معنى حقاً ، { إن كتاب الفجار } الذي كتبت فيه أعمالهم ، { لفي سجين } قال عبد الله بن عمر ، وقتادة ، ومجاهد ، والضحاك : { سجين } هي الأرض السابعة السفلى فيها أرواح الكفار .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا الحسين بن محمد ابن فنجويه ، حدثنا موسى بن محمد ، حدثنا الحسن بن علوية ، أنبأنا إسماعيل بن عيسى ، حدثنا المسيب ، حدثنا الأعمش ، عن المنهال ، عن زاذان ، عن البراء قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سجين أسفل سبع أرضين ، وعليون في السماء السابعة تحت العرش " . وقال سمرة بن عطية : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال : أخبرني عن قول الله عز وجل : { إن كتاب الفجار لفي سجين } فقال : إن روح الفاجر يصعد بها إلى السماء فتأبى السماء أن تقبلها ثم يهبط بها إلى الأرض ، فتأبى الأرض أن تقبلها فتدخل تحت سبع أرضين حتى ينتهى بها إلى سجين ، وهو موضع جند إبليس ، فيخرج لها من سجين من تحت جند إبليس رق فيرقم ويختم ، ويوضع تحت جند إبليس ، لمعرفتها الهلاك بحساب يوم القيامة ، وإليه ذهب سعيد بن جبير ، قال : سجين تحت جند إبليس . وقال عطاء الخراساني : هي الأرض السفلى ، وفيها إبليس وذريته . وقال الكلبي : هي صخرة تحت الأرض السابعة السفلى خضراء ، خضرة السماء منها يجعل كتاب الفجار فيها . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أيضاً قال : { سجين } صخرة تحت الأرض السفلى ، تقلب ، فيجعل كتاب الفجار فيها . وقال وهب : هي آخر سلطان إبليس . وجاء في الحديث : " الفلق جب في جهنم مغطى ، وسجين جب في جهنم مفتوح " . وقال عكرمة : { لفي سجين } أي : لفي خسار وضلال . وقال الأخفش : هو فعيل من السجن ، كما يقال : فسيق وشريب ، معناه : لفي حبس وضيق شديد .
قوله تعالى : " كلا إن كتاب الفجار لفي سجين " قال قوم من أهل العلم بالعربية : " كلا " ردع وتنبيه ، أي ليس الأم على ما هم عليه من تطفيف الكيل والميزان ، أو تكذيب بالآخرة ، فليرتدعوا عن ذلك . فهي كلمة ردع وزجر ، ثم استأنف فقال : " إن كتاب الفجار " . وقال الحسن : " كلا " بمعنى حقا . وروى ناس عن ابن عباس " كلا " قال : ألا تصدقون ، فعلى هذا : الوقف " لرب العالمين . وفي تفسير مقاتل : إن أعمال الفجار . وروى ناس عن ابن عباس قال : إن أرواح الفجار وأعمالهم " لفي سجين " . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : سجين صخرة تحت الأرض السابعة ، تقلب فيجعل كتاب الفجار تحتها . ونحوه عن ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير ومقاتل وكعب ، قال كعب : تحتها أرواح الكفار تحت خد إبليس . وعن كعب أيضا قال : سجين صخرة سوداء تحت الأرض السابعة ، مكتوب فيها اسم كل شيطان ، تلقى أنفس الكفار عندها . وقال سعيد بن جبير : سجين تحت خد إبليس . يحيى بن سلام : حجر أسود تحت الأرض ، يكتب فيه أرواح الكفار . وقال عطاء الخراساني : هي الأرض السابعة السفلى ، وفيها إبليس وذريته . وعن ابن عباس قال : إن الكافر يحضره الموت ، وتحضره رسل الله ، فلا يستطيعون لبغض الله له وبغضهم إياه ، أن يؤخروه ولا يعجلوه حتى تجيء ساعته ، فإذا جاءت ساعته قبضوا نفسه ، ورفعوه إلى ملائكة العذاب ، فأروه ما شاء الله أن يروه من الشر ، ثم هبطوا به إلى الأرض السابعة ، وهي سجين ، وهي آخر سلطان إبليس ، فأثبتوا فيها كتابه . وعن كعب الأحبار في هذه الآية قال : إن روح الفاجر إذا قبضت يصعد بها إلى السماء ، فتأبى السماء أن تقبلها ، ثم يهبط بها إلى الأرض ، فتأبى الأرض أن تقبلها ، فتدخل في سبع أرضين ، حتى ينتهى بها إلى سجين ، وهو خد إبليس . فيخرج لها من سجين من تحت خد إبليس رَقّ ، فيرقم فيوضع تحت خد إبليس . وقال الحسن : سجين في الأرض السابعة . وقيل : هو ضرب مثل وإشارة إلى أن الله تعالى يرد أعمالهم التي ظنوا أنها تنفعهم . قال مجاهد : المعنى عملهم تحت الأرض السابعة لا يصعد منها شيء . وقال : سجين صخرة في الأرض السابعة . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( سجين جب في جهنم وهو مفتوح ) وقال في الفلق : ( إنه جب مغطى ) . وقال أنس : هي دركة في الأرض السفلى . وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سجين أسفل الأرض السابعة ) . وقال عكرمة : ( سجين : خسار وضلال ، كقولهم لمن سقط قدره : قد زلق بالحضيض . وقال أبو عبيدة والأخفش والزجاج : " لفي سجين " لفي حبس وضيق شديد ، فعيل من السجين ، كما يقول : فسيق وشريب ، قال ابن مقبل :
ورُفْقَةٍ يَضْرِبُونَ البَيْضَ ضَاحِيةً *** ضَرْباً تواصتْ بهِ الأبطالُ سَجِينَا{[15849]}
والمعنى : كتابهم في حبس ، جعل ذلك دليلا على خساسة منزلتهم ، أو لأنه يحل من الإعراض عنه والإبعاد له محل الزجر والهوان . وقيل : أصله سجيل ، فأبدلت اللام نونا . وقد تقدم ذلك . وقال زيد بن أسلم : سجين في الأرض السافلة ، وسجيل في السماء الدنيا . القشيري : سجين : موضع في السافلين ، يدفن فيه كتاب هؤلاء ، فلا يظهر بل يكون في ذلك الموضع كالمسجون . وهذا دليل على خبث أعمالهم ، وتحقير الله إياها ؛ ولهذا قال في كتاب الأبرار : " يشهده المقربون " .
ولما أنهى {[72154]}سبحانه ما أراد{[72155]} من تعظيم ذلك اليوم-{[72156]} والتعجيب ممن لم يفده براهينه أن يجوزه والإنكار عليه ، وكان مع ما فيه من التقريع مفهماً للتقرير ، نفى بأداة الردع للمبالغة في النفي مضمون ما وقع الاستفهام عنه فقال : { كلا } {[72157]}أي لا{[72158]} يظن أولئك ذلك بوجه من الوجوه لكثافة طباعهم ووقوفهم{[72159]} مع المحسوس دأب البهائم بل لا يجوزونه ، ولو جوزوه لما وقعوا في ظلم أحد من يسألون عنه في ذلك اليوم المهول ، وما أوجب لهم الوقوع في الجرائم إلا الإعراض عنه ، وقال الحسن رحمه الله تعالى{[72160]} : هي بمعنى حقاً متصلة{[72161]} بما بعدها{[72162]} - انتهى . وهي مع ذلك مفهمة للردع الذي ليس بعده ردع عن اعتقاد مثل ذلك والموافقة لشيء مما يوجب الخزي فيه .
ولما أخبر عن إنكارهم ، استأنف{[72163]} إثبات ما أنكروه على أبلغ وجه وأفظعه{[72164]} مهولاً لما{[72165]} يقع لهم من الشرور وفوات السرور ، مؤكداً لأجل إنكارهم فقال : { إن كتاب } وأظهر موضع الإضمار{[72166]} تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال : { الفجار } أي صحيفة حساب هؤلاء الذين حملهم على كفرهم{[72167]} مروقهم وكذا كل من وافقهم{[72168]} في صفاتهم فكان في غاية المروق مما حقه ملابسته وملازمته ، وأبلغ في التأكيد فقال : { لفي سجين * } هو علم منقول في صيغة المبالغة{[72169]} عن وصف من-{[72170]} السجن وهو الحبس لأنه سبب الحبس في جهنم أي إنه ليس فيه أهلية الصعود إلى محل الأقداس إشارة إلى أن كتابهم إذا كان في سجن عظيم أي ضيق شديد كانوا هم في-{[72171]} أعظم ، قال ابن جرير{[72172]} : وهي الأرض السابعة - انتهى وهو يفهم-{[72173]} مع هذه الحقيقة أنهم في غاية الخسارة لأنه يقال لكل من انحط : صار تراباً ولصق بالأرض - ونحو ذلك ،