تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٖ} (7)

الآية 7 : وقوله تعالى : { كلا } قال الحسن وأبو بكر : حقا ، أي بعثهم حق ، فيبعثون . وقال الزجاج : { كلا } حرف ردع وتنبيه ، أي ليس الأمر على ما ظنوا أنهم لا يبعثون ، بل يبعثون ، ويجازون بأعمالهم ، فيكون في هذا إيجاب القول بالبعث من طريق الاستدلال .

وقوله تعالى : { إن كتاب الفجار لفي سجين } اختلف في السجين ؛ فمنهم من جعله اسم موضع ، وأشار إليه فقال : هو صخرة تحت الأرض السابعة ، يوضع كتاب الفجّار{[23285]} تحته إلى يوم القيامة .

ولكن [ ليس ]{[23286]} بنا إلى معرفة الموضع حاجة ، لأن الذين امتحنوا بجعله في ذلك الموضع [ قد عرفوه ]{[23287]} وهم الملائكة .

ومنهم من زعم أنه حرف موجود في كتب الأولين ، فذكر ذلك في القرآن .

فجائز أن يكون المقصود يتحقق بدون الإشارة إليه ، وجائز أن يكون السجين الموضع الذي أعد للكافرين في الآخرة للعذاب .

ولكن أول ما يرد عمله الذي أثبت في كتابه ، ثم يلحق به الروح ، ثم يتبعهما جسده في الآخرة على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر والآخرة سجن الكافر وجنة المؤمن ) ) [ بنحوه : مسلم : 2956 ] فيرد كتابه إلى ذلك السجن ، ويرد كتاب الأبرار إلى الجنة التي أعدت له ، ثم تتبعه روحه ثم جسده فذلك قوله : { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين } [ الآية : 18 ] .

ومنهم من قال على التمثيل ، ليس على تحقيق المكان في العلّيّين ؛ وذلك أن السجن ، هو مكان أهل الخبث في الدنيا ، فمثلت أعمالهم بذلك لخبثها وقبحها ، ومثلت أعمال الأبرار بما ذكر من العليين ؛ وذلك مكان أهل الشرف وأولي القدر ، فيكنّي بذلك كناية عن طيب أعمالهم .

وقال الكسائي : السّجّين مشتق من السجن ، كقولك : رجل فسيق وشريب وسكّيت .

ثم ذكر كتاب الفجّار ، والفجور يكون بالكفر وبغيره ، فهذا اسم يقع به الاشتراك بين أهل الكفر وأهل الإسلام ، لكنه ألحق عند التفسير بما يجوز صرف الوعيد إلى الكفار بقوله : { ويل يومئذ للمكذبين } [ الآية : 10 ] وكذلك نجد هذا الشرط ملحقا بالتفسير في جميع ما جرى به الوعيد بالاسم الذي يقع به الاشتراك من نحو الفسق وترك [ الصلاة ]{[23288]} بقوله تعالى : { قالوا لم نك من المصلين } [ المدثر : 43 ] وفي ما جرى من الوعيد في الذي لا يؤتي الزكاة ، فكان في ذكر التفسير على تقييده بالتكذيب قطع الشهادة وإيجاب العذاب على المكذبين .

وفي ذكر الاسم الذي يقع به الاشتراك إيجاب الخوف على المسلمين الذين أشركوا في ذلك ، فترك قطع الشهادة عليهم بالوعيد بما لم يذكر عند التفسير .


[23285]:في الأصل وم: الكافر.
[23286]:من م،ساقطة من الأصل.
[23287]:من م، في الأصل: فعرفوه.
[23288]:من م، ساقطة من الأصل.