{ 17 - 19 } { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ }
هذا إخبار عن تنزهه عن السوء والنقص وتقدسه عن أن يماثله أحد من الخلق وأمر للعباد أن يسبحوه حين يمسون وحين يصبحون ووقت العشي ووقت الظهيرة .
{ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون } إخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثناء عليه في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته وتتجدد فيها نعمته ، أو دلالة على أن ما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزهه واستحقاقه الحمد ممن له تمييز من أهل السموات والأرض ، وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح لان آثار القدرة والعظمة فيهما أظهر ، وتخصيص الحمد بالعشي الذي هو آخر النهار من عشي العين إذا نقص نورها والظهيرة التي هي وسطه لأن تجدد النعم فيهما أكثر ويجوز أن يكون { عشيا } معطوفا على { حين تمسون } وقوله { وله الحمد في السماوات والأرض } اعتراضا . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أن الآية جامعة للصلوات الخمس { تمسون } صلاتا المغرب والعشاء ، و{ تصبحون } صلاة الفجر و{ عشيا } صلاة العصر ، و{ تظهرون } صلاة الظهر . ولذلك زعم الحسن أنها مدينة لأنه كان يقول كان الواجب بمكة ركعتين في أي وقت اتفقتا وإنما فرضه الخمس بالمدينة ، والأكثر على إنها فرضت بمكة . وعنه عليه الصلاة والسلام " من سره أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل فسبحان الله حين تمسون الآية " . وعنه عليه والسلام " من قال حين يصبح فسبحان الله حين تمسون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك ما فاته في ليلته ، ومن قال حين يمسي أدرك ما فاته في يومه " وقرئ " حينا تمسون " و " حينا تصبحون " أي تمسون فيه وتصبحون فيه .
الفاء تقتضي اتصال ما بعدها بما قبلها وهي فاء فصيحة ، أو عطف تفريع على ما قبلها وقد كان أول الكلام قوله { أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } [ الروم : 8 ] ، والضمير عائد إلى أكثر الناس في قوله { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [ الروم : 6 ] والمراد بهم الكفار فالتفريع أو الإفصاح ناشىء عن ذلك فيكون المقصود من { سبحان الله } إنشاء تنزيه الله تعالى عما نسبوه إليه من العجز عن إحياء الناس بعد موتهم وإنشاء ثناء عليه .
والخطاب في { تُمْسُونَ } و { تُصْبِحُونَ } تابع للخطاب الذي قبله في قوله { ثُمَّ إليهِ تُرْجعون } [ الروم : 11 ] ، وهو موجه إلى المشركين على طريقة الالتفات من ضمائر الغيبة المبتدئة من قوله { أو لم يتفكروا في أنفسهم } [ الروم : 8 ] إلى آخرها كما علمت آنفاً . وهذا هو الأنسب باستعمال مصدر ( سبحان ) في مواقع استعماله في الكلام وفي القرآن مثل قوله تعالى { سبحانه وتعالى عما يشركون } [ الزمر : 67 ] وهو الغالب في استعمال مصدر { سبحان في الكلام إن لم يكن هو المتعين كما تقتضيه أقوال أيمة اللغة . وهذا غير استعمال نحو قوله تعالى { فسبِّح بحَمْد ربِّك حِينَ تقُوم } [ الطور : 48 ] وقول الأعشى في داليته :
وقوله { حين تمْسُون ، } و { حين تَصبحون } ، و { عشياً ، وحين تظْهرون } ظروف متعلقة بما في إنشاء التنزيه من معنى الفعل ، أي يُنْشأ تنزيه الله في هذه الأوقات وهي الأجزاء التي يتجزأ الزمان إليها ، والمقصود التأبيد كما تقول : سبحان الله دَوْماً . وسلك به مسلك الإطناب لأنه مناسب لمقام الثناء . وجوّز بعض المفسرين أن يكون { سبحان } هنا مصدراً واقعاً بدلاً عن فعل أمر بالتسبيح كأنه قيل : فسبحوا الله سبحاناً . وعليه يخرج ما روي أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن ؟ قال : نعم . وتلا قوله تعالى { فسُبْحان الله حِينَ تمْسُون وحين تُصْبِحون } إلى قوله { وحِينَ تظهرون } فإذا صح ما روي عنه فتأويله : أن { سبحان } أمر بأن يقولوا : سبحان الله ، وهو كناية عن الصلاة لأن الصلاة تشتمل على قول : سبحان ربي الأعلى وبحمده .
وقوله { حين تمسون } إلى آخره إشارة إلى أوقات الصلوات وهو يقتضي أن يكون الخطاب موجهاً إلى المؤمنين . والمناسبة مع سابقه أنه لما وعدهم بحسن مصيرهم لقّنهم شكر نعمة الله بإقامة الصلاة في أجزاء اليوم والليلة . وهذا التفريع يؤذن بأن التسبيح والتحميد الواقعين إنشاءً ثناء على الله كناية عن الشكر عن النعمة لأن التصدي لإنشاء الثناء عقب حصول الإنعام أو الوعد به يدل على أن المادح ما بعثه على المدح في ذلك المقام إلا قصد الجزاء على النعمة بما في طوقه ، كما ورد ( فإن لم تقدروا على مكافأته فادعوا له ) .
وليست الصلوات الخمس وأوقاتها هي المراد من الآية ولكن نسجت على نسج صالح لشموله الصلوات الخمس وأوقاتها وذلك من إعجاز القرآن ، لأن الصلاة وإن كان فيها تسبيح ويطلق عليها السُبحة فلا يطلق عليها : سبحان الله .
وأضيف الحين إلى جملتي { تمسون وتصبحون } . وقدم فعل الإمساء على فعل الإصباح : إما لأن الاستعمال العربي يعتبرون فيه الليالي مبدأ عدد الأيام كثيراً قال تعالى { سيروا فيها ليَالِيَ وأياماً آمنين } [ سبأ : 18 ] ، وإما لأن الكلام لما وقع عقب ذكر الحشر من قوله { الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه تُرجعون } [ الروم : 11 ] وذكر قيام الساعة ناسب أن يكون الإمساء وهو آخر اليوم خاطراً في الذهن فقُدم لهم ذكره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.