تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَهُمۡ أَرۡجُلٞ يَمۡشُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ أَيۡدٖ يَبۡطِشُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ أَعۡيُنٞ يُبۡصِرُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۗ قُلِ ٱدۡعُواْ شُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ} (195)

194 - 196 إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ .

إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نزلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ .

وهذا من نوع التحدي للمشركين العابدين للأوثان ، يقول تعالى : إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ أي : لا فرق بينكم وبينهم ، فكلكم عبيد للّه مملوكون ، فإن كنتم كما تزعمون صادقين في أنها تستحق من العبادة شيئا فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فإن استجابوا لكم وحصلوا مطلوبكم ، وإلا تبين أنكم كاذبون في هذه الدعوى ، مفترون على اللّه أعظم الفرية ، وهذا لا يحتاج إلى التبيين فيه ، فإنكم إذا نظرتم إليها وجدتم صورتها دالة على أنه ليس لديها من النفع شيء ، فليس لها أرجل تمشي بها ، ولا أيد تبطش بها ، ولا أعين تبصر بها ، ولا آذان تسمع بها ، فهي عادمة لجميع الآلات والقوى الموجودة في الإنسان .

فإذا كانت لا تجيبكم إذا دعوتموها ، وهي عباد أمثالكم ، بل أنتم أكمل منها وأقوى على كثير من الأشياء ، فلأي شيء عبدتموها .

قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ أي : اجتمعوا أنتم وشركاؤكم على إيقاع السوء والمكروه بي ، من غير إمهال ولا إنظار{[336]} فإنكم غير بالغين لشيء من المكروه بي .


[336]:- كذا في ب، وفي أ: انظال.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلَهُمۡ أَرۡجُلٞ يَمۡشُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ أَيۡدٖ يَبۡطِشُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ أَعۡيُنٞ يُبۡصِرُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۗ قُلِ ٱدۡعُواْ شُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ} (195)

ثم عاد عليه بالنقض فقال : { ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيدٍ يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها } وقرئ { إن الذين } بتخفيف { أن } ونصب { عباد } على أنها نافية عملت عمل ما الحجازية ولم يثبت مثله ، و{ يبطشون } بالضم ها هنا وفي " القصص " و " الدخان " . { قل ادعوا شركاءكم } واستعينوا بهم في عداوتي { ثم كيدون } فبالغوا فيما تقدرون عليه من مكر ، وهي أنتم وشركاؤكم . { فلا تنظرون } فلا تمهلون فإني لا أبالي بكم لوثوقي على ولاية الله تعالى وحفظه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَهُمۡ أَرۡجُلٞ يَمۡشُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ أَيۡدٖ يَبۡطِشُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ أَعۡيُنٞ يُبۡصِرُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۗ قُلِ ٱدۡعُواْ شُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ} (195)

تأكيد لما تضمنته الجملة قبلها من أمر التعجيز وثبوت العجز ، لأنه إذا انتفت عن الأصنام أسباب الاستجابة تحقق عجزها عن الإجابة ، وتأكد معنى أمر التعجيز المكنى به عن عجز الأصنام وعجز عبدتها ، والاستفهام إنكاري وتقديم المسند على المسند إليه للاهتمام بانتفاء الملك الذي دلت عليه اللام كالتقديم في قول حسان :

له همم لا منتهى لكبارها

ووصف الأرجل ب { يمشون } والأيدي ب { يبطشون } والأعين ب { يبصرون } والآذان ب { يسمعون } إما لزيادة تسجيل العجز عليهم فيما يحتاج إليه الناصر ، وإما لأن بعض تلك الأصنام كانت مجعولة على صور الآدميين مثل هبل ، وذي الكفين ، وكعيب في صور الرجال ، ومثل سواع كان على صورة امرأة ، فإذا كان لأمثال أولئك صور أرجل وأيد وأعين وآذان ، فإنها عديمة العمل الذي تختص به الجوارح ، فلا يطمع طامع في نصرها ، وخص الأرجل والأيدي والأعين والآذان ، لأنها آلات العلم والسعي والدفع للنصر ، ولهذا لم يذكر الألسن لما علمت من أن الاستجابة مراد بها النجدة والنصرة ، ولم يكونوا يسألون عن سبب الاستنجاد ، ولكنهم يسرعون إلى الإلتحاق بالمستنجد .

والمشي انتقال الرجلين من موضع انتقالاً متوالياً .

والبطش الأخذ باليد بقوة ، والإضرار باليد بقوة ، وقد جاء مضارعه بالكسر والضم على الغالب . وقراءة الجمهور بالكسر ، وقرأ أبو جعفر : بضم الطاء ، وهما لغتان .

و { أم } حرف بمعنى ( أو ) يختص بعطف الاستفهام ، وهي تكون مثل ( أو ) لأحد الشيئين أو الأشياء ، وللتمييز بين الأشياء ، أو الإباحة أي الجمع بينها ، فإذا وقعت بعد همزة الاستفهام المطلوب بها التعيين كانت مثل ( أو ) التي للتخيير ، كقوله تعالى { قل ءالله أذن لكم أم على الله تفترون } [ يونس : 59 ] أي عينوا أحدهما ، وإن وقعت بعد استفهام غير حقيقي كانت بمعنى ( أو ) التي للإباحة ، وتسمى ، حينئذ منقطعة ولذلك يقولون إنها بمعنى ( بل ) الانتقالية وعلى كل حال فهي ملازمة لمعنى الاستفهام فكلما وقعت في الكلام قُدر بعدها استفهام ، فالتقدير هنا ، بل ألهم أيد يبطشون بها ، بل ألهم أعين يبصرون بها ، بل ألهم آذان يسمعون بها .

وترتيب هذه الجوارح الأربع على حسب ما في الآية ملحوظ فيه أهميتها بحسب الغرض ، الذي هو النصر والنجدة ، فإن الرجلين تسرعان إلى الصريخ قبل التأمل ، واليدين تعملان عمل النصر وهو الطعن والضرب ، وأما الأعين والآذان فإنهما وسيلتان لذلك كله فأخرا ، وإنما قدم ذكر الأعين هنا على خلاف معتاد القرءان في تقديم السمع على البصر كما سبق في أول سورة البقرة لأن الترتيب هنا كان بطريق الترقي .

إذن من الله لرسوله بأن يتحداهم بأنهم إن استطاعوا استصرخوا أصنامهم لتتألب على الكيد للرسول عليه السلام ، والمعنى ادعوا شركاءكم لينصروكم علي فتستريحوا مني .

والكيد الإضرار الواقع في صورة عدم الإضرار ، كما تقدم عند قوله تعالى آنفاً { وأملي لهم إن كيدي متين } [ الأعراف : 183 ] .

والأمر والنهي في قوله : { كيدون فلا تنظرون } للتعجيز .

وقوله : { فلا تنظرون } تفريع على الأمر بالكيد ، أي فإذا تمكنتم من اضراري فأعجلوا ولا تؤجلوني .

وفي هذا التحدي تعريض بأنه سيبلغهم وينتصر عليهم ويستأصل آلهتهم وقد تحداهم بأتم أحوال النصر وهي الاستنصار بأقدر الموجودات في اعتقادهم ، وأن يكون الاضرار به خفياً ، وأن لا يتلوم له ولا ينتظر ، فإذا لم يتمكنوا من ذلك كان انتفاؤه أدل على عجزهم وعجز آلهتهم .

وحذفت ياء المتكلم من { كيدون } في حالتي الوقف والوصل ، في قراءة الجمهور غير أبي عمرو ، وأما { تنظرون } فقرأه الجميع : بحذف الياء إلا يعقوب أثبتها وصلاً ووقفاً ، وحذف ياء المتكلم بعد نون الوقاية جِدُّ فصيحٍ .