السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَلَهُمۡ أَرۡجُلٞ يَمۡشُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ أَيۡدٖ يَبۡطِشُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ أَعۡيُنٞ يُبۡصِرُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۗ قُلِ ٱدۡعُواْ شُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ} (195)

ثم أبطل أن يكونوا عباداً أمثالكم بقوله تعالى :

{ ألهم أرجل يمشون بها أم } أي : بل أ { لهم أيد يبطشون بها أم } أي : بل الله { لهم أعين يبصرون بها أم } أي : بل الله { لهم آذان يسمعون بها } وهذا الاستفهام إنكاري أي : ليس لهم شيء من ذلك مما هو لكم ، فكيف تعبدونهم وأنتم أتم حالاً منهم ؟ إذ لا يليق بالإنسان العاقل أن يشتغل بعبادة الأخس الأدون الأرذل ، ونظير هذا قول إبراهيم الخليل عليه السلام لأبيه : { لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً } ( مريم ، 42 ) وقد تعلق بعض الجهال بهذه الآية في إثبات هذه الأعضاء لله تعالى ، فقال : إنّ الله تعالى جعل عدم هذه الأعضاء لهذه الأصنام دليلاً على عدم إلهيتها ، فلو لم تكن هذه الأعضاء موجودة لله لكان عدمها دليلاً على عدم الإلهية ، وذلك باطل فوجب القول بإثبات هذه الأعضاء لله تعالى .

أجيب : بأن المقصود من هذه الآية بيان أنّ الإنسان أفضل وأحسن حالاً من الصنم ؛ لأنّ الإنسان له رجل ماشية ويد باطشة وعين باصرة وأذن سامعة ، والصنم رجله غير ماشية ويده غير باطشة وعينه غير مبصرة وأذنه غير سامعة ، فكان الإنسان أفضل وأكمل حالاً من الصنم ، فاشتغال الأفضل الأكمل بحال الأخس ألادون جهل ، فهذا هو المقصود من ذكر هذا الكلام لا ما ذهب إليه وهم هؤلاء الجهال { قل ادعوا } أي : قل يا محمد لهؤلاء المشركين : ادعوا { شركاءكم } أي : إلى هلاكي { ثم كيدون } قال الحسن : كانوا يخوّفونه صلى الله عليه وسلم بآلهتهم فقال الله تعالى له : قل لهم ادعوا شركاءكم ثم كيدون أي : ليظهر لكم أنها لا قدرة لها على إيصال المضارّ إليّ بوجه .

وقرأ أبو عمرو بإثبات الياء وصلاً ووقفاً ، وهشام له فيها وجهان : الإثبات والحذف ، وصلاً ووقفاً ، والباقون يحذفونها وصلاً ووقفاً . ثم تهكم عليهم صلى الله عليه وسلم بقوله : { فلا تنظرون } أي : فأعجلوا في كيدي أنتم وشركاؤكم ، فإنكم لا تقدرون على ذلك .