اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَهُمۡ أَرۡجُلٞ يَمۡشُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ أَيۡدٖ يَبۡطِشُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ أَعۡيُنٞ يُبۡصِرُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۗ قُلِ ٱدۡعُواْ شُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ} (195)

قوله : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } قرأ العامَّةُ بكسر الطاء ، من بطش يبطش ، وقرأ أبو جعفر وشيبة ، ونافع في رواية عنه : يَبْطُشُونَ بضمها{[17089]} ، وهما لغتان ، والبَطْشُ ، الأخْذُ بقوة .

واعلم أنَّهُ تعالى ذكر هذا الدَّليل لبيان أنه يقبح من الإنسان العاقل أن يعبد هذه الأصنام ؛ لأنَّ هذه الأعضاء الأربعة إذا كان فيها القوى المحركة والمدركة كانت أفضل منها إذا كانت خالية عن هذه القوى ، فالرِّجلُ القادرةُ على المشي ، واليد القادرةُ على البَطْشِ أفضل من اليد والرجل الخاليتين عن قوة الحركة والحياة ، والعينُ البَاصرةُ والأذنُ السَّامعة أفضل من العين والأذن الخاليتين عن القوة السَّامعة ، والباصرة ، وعن قوَّةِ الحياة .

وإذا ثبت ذلك ظهر أن الإنسان أفضل بكثير من الأصنام بل لا نسبة لفضيلة الإنسان إلى فضيلة الأصنام ألبتة .

وإذا كان كذلك فكيف يليقُ بالأفضل والأكل الأشرف أن يعبد الأخسّ الأدون الذي لا يحصل منه فائدة ألبتَّة ، لا في جلب منفعة ولا في دفع مضرَّة .

قوله : { قُلِ ادعوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ } قرأ أبُو عمرو{[17090]} كِيدُونِي بإثبات الياءِ وصلاً ، وحذفها وقفاً وهشام بإثباتها في الحالين ، والباقون بحذفها في الحالين ، وعن هشامٍ . خلاف مشهور قال أبُو حيان : وقرأ أبُو عمرو وهشام بخلاف عنه فكيدُونِي بإثبات الياءِ وصلاً ووقفاً .

قال شهابُ الدِّينِ : أبو عمرو لا يثبتها وقفاً ألبتَّة ، فإنَّ قاعدته في الياءاتِ الزائدة ما ذكرته ، وفي قراءة فَكِيدونِي ثلاثةُ ألفاظٍ ، هذه وقد عُرف حكمُهَا ، وفي هود : " فكيدوني جميعاً " أثبتها القراء كلهم في الحالين .

وفي المُرسلاتِ : { فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ } [ الآية : 39 ] حذفها الجميعُ في الحالين وهذا نظيرُ ما تقدَّم في قوله { واخشوني } [ البقرة : 150 ] فإنَّها في البقرة ثابتةٌ للكلّ وصلاً ووقفاً ، ومحذوفةٌ في أوَّل المائدة ، ومختلف في ثانيتها .

فصل

والمعنى : ادعُوا شركاءكم يا معشر المشركين ثمَّ كيدوني أنتم وهم فلا تُنظِرُون أي لا تمهلون واعجلوا في كيدي ليظهر لكم أنَّ لا قدرة لها على إيصال المضار بوجه من الوجوه .


[17089]:ينظر: إتحاف 2/71، والمحرر الوجيز 2/489، والبحر المحيط 4/441.
[17090]:ينظر: السبعة 300، والحجة 4/114، وإعراب القراءات 1/219، وإتحاف فضلاء البشر 2/72.