فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَلَهُمۡ أَرۡجُلٞ يَمۡشُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ أَيۡدٖ يَبۡطِشُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ أَعۡيُنٞ يُبۡصِرُونَ بِهَآۖ أَمۡ لَهُمۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۗ قُلِ ٱدۡعُواْ شُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ} (195)

والاستفهام في قوله : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ } وما بعده للتقريع والتوبيخ ، أي هؤلاء الذين جعلتموهم شركاء ليس لهم شيء من الآلات التي هي ثابتة لكم ، فضلاً عن أن يكونوا قادرين على ما تطلبونه منهم . فإنهم كما ترون هذه الأصنام التي تعكفون على عبادتها ليست لهم : { أَرْجُل يَمْشُونَ بِهَا } في نفع أنفسهم ، فضلاً عن أن يمشوا في نفعكم ، وليس { لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا } كما يبطش غيرهم من الأحياء ، وليس { لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا } كما تبصرون ، وليس { لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُون بِهَا } كما تسمعون ، فكيف تدعون من هم على هذه الصفة من سلب الأدوات ، وبهذه المنزلة من العجز ، وأم في هذه المواضع هي [ المنطقة ] التي بمعنى بل ، والهمزة كما ذكره أئمة النحو . وقرأ سعيد بن جبير : «إِنَّ الذين تَدْعُونَ » بتخفيف إن ونصب عبادا : أي ما الذين تدعون { مِن دُونِ الله عِبَادًا أمثالكم } على إعمال إن النافية عمل ما الحجازية .

وقد ضعفت هذه القراءة بأنها خلاف ما رجحه سيبويه وغيره من اختيار الرفع في خبرها . وبأن الكسائي قال : إنها لا تكاد تأتي في كلام العرب بمعنى «ما » إلا أن يكون بعدها إيجاب كما في قوله : { إِنِ الكافرون إِلاَّ فِي غُرُورٍ } ، والبطش : الأخذ بقوّة . وقرأ أبو جعفر { يَبْطِشُونَ } بضم الطاء ، وهي لغة . ثم لما بين لهم حال هذه الأصنام ، وتعاور وجوه النقص والعجز لها من كل باب ، أمره الله بأن يقول لهم : ادعوا شركاءكم الذين تزعمون أن لهم قدرة على النفع والضرّ . { ثُمَّ كِيدُون } أنتم وهم جميعاً بما شئتم من وجوه الكيد { فَلاَ تُنظِرُونِ } أي : فلا تمهلوني ، ولا تؤخرون إنزال الضرر بي من جهتها ، والكيد : المكر . وليس بعد هذا التحدّي لهم والتعجيز لأصنامهم شيء .

/خ198