تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِيُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ} (62)

{ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } فيتبرأوا مما صدر منهم من الأذية وغيرها ، فغايتهم أن ترضوا عليهم . { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ } لأن المؤمن لا يقدم شيئا على رضا ربه ورضا رسوله ، فدل هذا على انتفاء إيمانهم حيث قدموا رضا غير اللّه ورسوله .

وهذا محادة للّه ومشاقة له ، وقد توعد من حاده بقوله :

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِيُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ} (62)

{ يحلفون بالله لكم } على معاذيركم فيما قالوا أو تخلفوا . { ليُرضوكم } لترضوا عنهم والخطاب للمؤمنين . { والله ورسوله أحق أن يُرضوه } أحق بالإرضاء بالطاعة والوفاق ، وتوحيد الضمير لتلازم الرضائين أو لأن الكلام في إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم وإرضائه ، أو لأن التقدير والله أحق أن يرضوه والرسول كذلك . { إن كانوا مؤمنين } صدقا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِيُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ} (62)

وقوله تعالى : { يحلفون بالله لكم } الآية ، ظاهر هذه الآية أن المراد بها جميع المنافقين الذين يحلفون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بأنهم منهم في الدين وأنهم معهم في كل أمر وكل حزب ، وهم في ذلك يبطنون النفاق ويتربصون الدوائر وهذا قول جماعة من أهل التأويل ، وقد روت فرقة أنها نزلت بسبب رجل من المنافقين قال إن كان ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم حقاً فأنا شر من الخمر ، فبلغ قوله رسول الله صلى الله وسلم فدعاه ووقف على قوله ووبخه فحلف مجتهداً أنه ما فعل ، فنزلت الآية في ذلك{[5760]} ، وقوله { والله } مذهب سيبويه أنهما جملتان حذفت الأولى لدلالة الثانية عليها ، والتقدير عنده والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه وهذا كقول الشاعر : [ المنسرح ]

نحن بما عندنا وأنت بما عن*** دك راضٍ والرأي مختلفُ{[5761]}

ومذهب المبرد أن في الكلام تقديماً وتأخيراً ، وتقديره والله أحق أن يرضوه ورسوله قال وكانوا يكرهون أن يجمع الرسول مع الله في ضمير ، حكاه النقاش عنه ، وليس هذا بشيء ، وفي مصنف أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما » فجمع في ضمير ، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر «بئس الخطيب أنت » إنما ذلك وقف في«يعصهما » فأدخل العاصي في الرشد{[5762]} ، وقيل الضمير في { يرضوه } عائد على المذكور كما قال رؤبة : [ الرجز ] .

فيها خطوطٌ من سوادٍ وبلقْ*** كأنَّه في الجلد توليعُ البهقْ{[5763]}

وقوله { إن كانوا مؤمنين } أي على قولهم ودعواهم .


[5760]:- أخرجه ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي مثله، وسمّى الرجل المسلم عامر بن قيس من الأنصار، (الدر المنثور)، وفي القرطبي أن جماعة من المنافقين اجتمعوا، فيهم الجُلاس بن سويد، ووديعة بن ثابت، وفيهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس.
[5761]:- سبق الاستشهاد بهذا البيت عند تفسير قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} الآية (34) من هذه السورة. وقد اعترض أبو حيان في "البحر" على هذا الرأي وقال: "فقوله: مذهب سيبويه أنهما جملتان حذفت الأولى لدلالة الثانية عليها إن كان الضمير في (أنهما) عائدا على كل واحدة من الجملتين فكيف تقول: حذفت الأولى ولم تحذف الأولى وإنما حذف خبرها؟ وإن كان الضمير عائدا على الخبر وهو {أحق أن يرضوه} فلا يكون جملة إلا باعتقاد كون {أن يرضوه} مبتدأ، و(أحق) المتقدم خبره، لكن لا يتعين هذا القول إذ يجوز أن يكون الخبر مفردا بأن يكون التقدير: "أحق بأن يرضوه"، وعلى التقدير الأول يكون التقدير: "والله إرضاؤه أحق". وللعلماء في إفراد الضمير في قوله تعالى: {يرضوه} آراء كثيرة ذكر منها ابن عطية ثلاثة، ومن هذه الآراء أن الإفراد جاء لتعظيم الله سبحانه، أو لكونه لا فرق بين إرضاء الله وإرضاء رسوله، أو لأن الضمير موضوع موضع اسم الإشارة، فإنه يشار به إلى الواحد والمتعدد.
[5762]:- أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الخطيب لأنه فهم منه اعتقاد التسوية حين وقف على (يعصهما) فنبهه على خلاف معتقده.
[5763]:- البهق: بياض دون البرص، أو هو بياض يعتري الجسد بخلاف لونه وليس من البرص. والشاهد في البيت عود الضمير في قوله (كأنه)، أي: كأن المذكور.