البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِيُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ} (62)

{ يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين } : الظاهر أنّ الضمير في يحلفون عائد على الذين يقولون : هو أذن أنكره وحلفوا أنهم ما قالوه .

وقيل : عائد على الذين قالوا : إن كان ما يقول محمد حقاً ، فنحن شر من الحمير ، وتقدم ذكر ذلك .

وقيل : عائد على الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ، فلما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون اعتذروا وحلفوا واعتلوا ، قاله : ابن السائب ، واختاره البيهقي .

وكانوا ثلاثة وثمانين حلف منهم ثمانون ، فقبل الرسول أعذارهم واعترف منهم بالحق ثلاثة ، فأطلع الله رسوله على كذبهم ونفاقهم ، وهلكوا جميعاً بآفات ، ونجا الذين صدقوا .

وقيل : عائد على عبد الله بن أبي ومن معه حلفوا أن لا يتخلفوا عن رسول الله وليكونوا معه على عدوه .

وقال ابن عطية المراد جميع المنافقين الذين يحلفون للرسول والمؤمنين أنهم معهم في الدين وفي كل أمر وحرب ، وهم يبطنون النفاق ، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر ، وهذا قول جماعة من أهل التأويل .

واللام في ليرضوكم لام كي ، وأخطأ من ذهب إلى أنها جواب القسم ، وأفرد الضمير في أن يرضوه لأنهما في حكم مرضي واحد ، إذ رضا الله هو رضا الرسول ، أو يكون في الكلام حذف .

قال ابن عطية : مذهب سيبويه أنهما جملتان ، حذفت الأولى لدلالة الثانية عليها ، والتقدير عنده : والله أحق أن يرضوه ، ورسوله أحق أن يرضوه .

وهذا كقول الشاعر :

نحن بما عندنا وأنت بما عندكراض والرأي مختلف ***

ومذهب المبرد : أنّ في الكلام تقديماً وتأخيراً ، وتقديره : والله أحق أن يرضوه ورسوله .

وقيل : الضمير عائد على المذكور كما قال رؤبة :

فيها خطوط من سواد وبلق ***

كأنه في الجلد توليع البهق

انتهى .

فقوله : مذهب سيبويه أنهما جملتان حذفت الأولى لدلالة الأولى لدلالة الثانية عليها أنْ كان الضمير في أنهما عائداً على كل واحدة من الجملتين ، فكيف تقول حذفت الأولى ولم تحذف الأولى إنما حذف خبرها ؟ ، وإن كان الضمير عائداً على الخبر وهو أحق أن يرضوه ، فلا يكون جملة إلا باعتقاد كون أنْ يرضوه مبتدأ وأحق المتقدم خبره ، لكن لا يتعين هذا القول : إذ يجوز أن يكون الخبر مفرداً بأن يكون التقدير : أحق بأن يرضوه .

وعلى التقدير الأول يكون التقدير : والله إرضاؤه أحق .

وقدره الزمخشري : والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك .

إن كانوا مؤمنين كما يزعمون ، فأحق من يرضونه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالطاعة والوفاق .