قوله تعالى : { يَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } الآية .
وهذا نوع آخر من قبائح أفعال المنافقين ، وهو إقدامهم على الأيمان الكاذبة ، قال قتادةُ والسديُّ : اجتمع ناس من المنافقين ، فيهم الجلاس بنُ سويدٍ ، ووديعة بنُ ثابت فوقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : إن كان ما يقول محمد حقاً فنحن شرٌّ من الحمير ، وكان عندهم غلام من الأنصار ، يقال له : عامر بن قيس ، فحقَّروه ، وقالوا هذه المقالة ، فغضب الغلامُ وقال : والله إنَّ ما يقول محمد حق ، وأنتم شرٌّ من الحمير ثم أتَى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فدعاهم ، فسألهم ؛ فحلفوا أنَّ عامراً كذَّاب وحلف عامر أنهم كذبة ، فصدقهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم فجعل عامرٍ يدعو ويقول اللَّهُمَّ صدق الصَّادق وكذب الكاذب ، فأنزل اللهُ هذه الآية{[17934]} . وقال مقاتلٌ والكلبيُّ : نزلت في رهطٍ من المنافقين ، تخلَّفُوا عن غزوة تبوك فلمَّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوهُ يعتذرون ويحلفون ، فأنزل الله تعالى هذه الآية{[17935]} .
قوله : { والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } .
إنَّما أفرد الضمير ، وإن كان الأصلُ في العطف ب " الواو " المطابقة ، لوجوهٍ :
أحدها : أنَّ رضا الله ورسوله شيءٌ واحد ، { مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله } [ النساء : 80 ] ، { إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله } [ الفتح : 10 ] ؛ فلذلك جعل الضميرين ضميراً واحداً ، تنبيهاً على ذلك .
الثاني : أنَّ الضمير عائدٌ على المثنى بلفظِ الواحد بتأويل المذكور ؛ كقول رؤبة : [ الرجز ]
فِيهَا خُطُوطٌ من سوادِ وبلق *** كأنَّهُ في الجِلْدِ توليعُ البَهَقْ{[17936]}
أي : كأن ذلك المذكور ، وقد تقدم بيان هذا في أوائل البقرةِ .
الثالث : قال المبرد : في الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ ، تقديره : واللهُ أحقُّ أن يرضوه ورسوله وهذا على رأي من يدَّعي الحذف من الثاني .
الرابع - وهو مذهب سيبويه - : أنَّه حذف خبر الأوَّل ، وأبقى خبر الثَّاني ، وهو أحسنُ من عكسه ، وهو قول المبرِّدِ ؛ لأن فيه عدم الفصل بين المبتدأ أو خبره بالإخبار بالشيء عن الأقرب إليه ؛ وأيضاً فهو متعين في قول الشَّاعر : [ المنسرح ]
نَحْنُ بِمَا عندنَا وأنتَ بِما *** عِندكَ رَاضٍ والرَّأيُ مُختَلِفُ{[17937]}
أي : نحن راضون ، حذف " راضُون " ، لدلالةِ خبر الثاني عليه .
قال ابنُ عطية{[17938]} : " مذهبُ سيبويه أنَّهُما جملتان ، حذفت الأولى ، لدلالة الثانية عليها " .
قال أبُو حيان{[17939]} : " إن كان الضمير في " أنَّهُمَا " عائداً على كلِّ واحدةٍ من الجملتين ، فكيف يقول " حُذفت الأولى " والأولى لم تحذف ، إنما حذفَ خبرها ؟ وإن كان عائداً على الخبر وهو { أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } فلا يكونُ جملة إلاَّ باعتقاد أن يكون " أن يُرضُوهُ " مبتدأ وخبره " أحَقُّ " مقدماً عليه ، ولا يتعيَّنُ هذا القول ؛ إذْ يجوزُ أن يكون الخبرُ مفرداً بأن يكون التقدير : أحقُّ بأنْ تُرضُوه " .
قال شهابُ الدِّين{[17940]} : إنما أراد ابنُ عطية التقدير الأول{[17941]} ، وهو المشهورُ عند المعربين يجعلون " أحقُّ " خبراً مقدَّماً ، و " أن يُرْضوهُ " مبتدأ مؤخراً ، والله ورسوله إرضاؤه أحقُّ . وتقدم تحرير هذا في قوله : { فالله أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ } [ التوبة : 13 ] . قوله { إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } شرطٌ جوابه محذوف أو متقدم .
قال القرطبيُّ " تضمَّنتْ هذه الآية قبول يمين الحالف ، وإن لم يلزم المحلوف له الرضا ، واليمين حق للمدَّعي ، وأن يكون اليمينُ بالله عزَّ وجلَّ حسبُ . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ حَلفَ فليَحْلفْ باللهِ أو ليَصْمتْ ، ومَنْ حُلفَ لَهُ فليُصدِّق " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.