تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ} (29)

{ 29 - 30 } { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }

{ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ } أي : يتبعونه في أوامره فيمتثلونها ، وفي نواهيه فيتركونها ، وفي أخباره ، فيصدقونها ويعتقدونها ، ولا يقدمون عليه ما خالفه من الأقوال ، ويتلون أيضا ألفاظه ، بدراسته ، ومعانيه ، بتتبعها واستخراجها .

ثم خص من التلاوة بعد ما عم ، الصلاة التي هي عماد الدين ، ونور المسلمين ، وميزان الإيمان ، وعلامة صدق الإسلام ، والنفقة على الأقارب والمساكين واليتامى وغيرهم ، من الزكاة والكفارات والنذور والصدقات . { سِرًّا وَعَلَانِيَةً } في جميع الأوقات .

{ يَرْجُونَ } [ بذلك ] { تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ } أي : لن تكسد وتفسد ، بل تجارة ، هي أجل التجارات وأعلاها وأفضلها ، ألا وهي رضا ربهم ، والفوز بجزيل ثوابه ، والنجاة من سخطه وعقابه ، وهذا فيه أنهم يخلصون{[745]}  بأعمالهم ، وأنهم لا يرجون بها من المقاصد السيئة والنيات الفاسدة شيئا .


[745]:- في ب: الإخلاص.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ} (29)

ولما تقرر هذا ، تشوف السامع إلى معرفة العلماء فكان كأنه قيل : هم الذين يحافظون على كتاب الله علماً وعملاً ، فقيل : فما لهم ؟ فقال مؤكداً تكذيباً لمن يظن من الكفار وغيرهم من العصاة أنهم من الخاسرين بما ضيعوا من عاجل دنياهم : { إن الذين يتلون } أي يجددون التلاوة كل وقت مستمرين على ذلك محافظين عليه كلما نزل من القرآن شيء وبعد كمال نزوله حتى يكون ذلك ديدنهم وشأنهم بفهم وبغير فهم { كتاب الله } أي الذي لا ينبغي لعاقل أن يقبل على غيره لما له من صفات الجمال والجلال ، ولما ذكر السبب الذي لا سبب يعادله ، ذكر أحسن ما يربط به ، فقال دالاً على المداومة بالتعبير بالإقامة وعلى تحقيق الفعل بالتعبير بالماضي : { وأقاموا الصلاة } أي وهي الناهية عن الفحشاء والمنكر فناجوا الله فيها بكلامه . ولما ذكر الوصلة بينهم وبين الخالق ، ذكر إحسانهم إلى الخلائق ، فقال دالاً على إيقاع الفعل بالتعبير بالماضي ، وعلى الدوام بالسر والعلن لافتاً القول إلى مظهر العظمة تنبيهاً على أن الرزق منه وحده ، لا بحول أحد غيره ولا غيره : { وأنفقوا مما رزقناهم } أي بحولنا وقوتنا لا بشيء من أمرهم في جميع ما يرضينا ، ودل على مواظبتهم على الإنفاق وإن أدى إلى نفاد المال بقوله : { سراً وعلانية } وعبر في الأول بالمضارع لأن إنزالها كان قبل التمام وتصريحاً بتكرار التلاوة تعبداً ودراسة لأن القرأن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :

" أشد تفلتا من الإبل في عقالها " أخرجه مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، وفي الثاني والثالث بالماضي حثاً على المبادرة إلى الفعل ، وقد تحصل من هذا أنه جعل لفعل القلب الذي هو الخشية دليلاً باللسان وآخر بالأركان وثالثاً بالأموال .

ولما أحلهم بالمحل الأعلى معرفاً أنهم أهل العلم الذين يخشون الله ، وكان العبد لا يجب له على سيده شيء ، قال منبهاً على نعمة الإبقاء الثاني التي هي أم النعم والنتيجة العظمى المقصودة بالذات : { يرجون } أي في الدنيا والآخرة { تجارة } أي بما عملوا { لن تبور * } أي تكسد وتهلك بل هي باقية ، لأنها دفعت إلى من لا تضيع لديه الودائع وهي رائجة رابحة ، لكونه تام القدرة شامل العلم له الغنى المطلق .