تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ} (29)

الآية 29 وقوله تعالى : { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة } يحتمل من تلاوة الكتاب ههنا ما ذكر في آية أخرى حين قال : { يتلونه حق تلاوته } [ البقرة : 121 ] وأقاموا فيها من الأمر بالصلاة والأمر بالزكاة .

[ ويحتمل ]{[17272]} أن يكون قوله : { يتلون كتاب الله } أي يتّبعون الكتاب في ما فيه مما لهم وممّا عليهم ، يتّبعون{[17273]} كله من الإقدام على الحلال والاجتناب عن الحرام . والمنتفعون بكتاب الله هم الذين اتبعوا ما فيه من إقامة الصلاة [ والإنفاق مما ]{[17274]} رُزقوا .

فأما من تلا ، ولم يتّبع ما فيه ، فكأنه لم يتل ، وهو كما نفى عنهم هذه الحواس من البصر والسمع [ والنطق وغيرها ]{[17275]} لتركهم الانتفاع بها ، وإن كانت لهم تلك الحواس حقيقة ، وأثبتها للمؤمن لما انتفع بها ، وإن لم تكن لهم حقيقة . فعلى ذلك يحتمل الأول ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية } يحتمل قوله : { سرا وعلانية } في كل حال وكل وقت ، لا يتركون الإنفاق على كل حال كقوله : { وجنة عرضها السماوات والأرض أعدّت للمتقين } { الذين يُنفقون في السّراء والضراء } [ آل عمران : 133 و134 ] أي ينفقون على كل حال .

ويحتمل{[17276]} : { وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية } أي يتصدّقون الصدقة ظاهرا وباطنا للناس ، وعلموا به ، وما خفِي عنهم ، واستتر ، لما قصدوا لها بها وجه الله لا مراآة الخلق . فمن قصده بالخيرات وجه الله لا مراآة الخلق فعلمهم به وجهلهم سواء لا يمتنع عن ذلك أبدا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { يرجون تجارة لن تبور } سمّى ما يبذل العبد لله تجارة ، وإن كان ذلك له في الحقيقة لطفا منه وإحسانا .


[17272]:في الأصل وم: أو.
[17273]:في الأصل: وم: يتبعون.
[17274]:في الأصل وم: وانفاق ما.
[17275]:في الأصل وم: واللسان وغيره.
[17276]:في الأصل وم: أو يحتمل.