السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ} (29)

ولما بين سبحانه العلماء بالله وخشيتهم وكرامتهم بسبب خشيتهم ذكر العالمين بكتاب الله العاملين بما فيه بقوله تعالى : { إن الذين يتلون كتاب الله } أي : يداومون على تلاوته وهي شأنهم وديدنهم ، وعن مطرف : هي آية القراء ، وعن الكلبي : يأخذون بما فيه ، وقيل : يعلمون ما فيه ويعملون به ، وعن السدي : هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عطاء : هم المؤمنون { وأقاموا الصلاة } أي : أداموها { وأنفقوا مما رزقناهم } من زكاة وغيرها { سراً وعلانية } قيل : السر في المسنون والعلانية في المفروض .

تنبيه : أشار تعالى بقوله سبحانه وتعالى { يتلون كتاب الله } إلى الذكر وبقوله تعالى : { وأقاموا الصلاة } إلى العمل البدني وبقوله تعالى : { وأنفقوا مما رزقناهم } إلى العمل المالي ، وفي هاتين الآيتين الشريفتين حكمة بالغة وهي أن قوله تعالى { إنما يخشى الله } إشارة إلى عمل القلب وقوله تعالى { الذين يتلون } إشارة إلى عمل اللسان وقوله { وأقاموا الصلاة } إشارة إلى عمل الجوارح ثم إن هذه الأشياء الثلاثة متعلقة بجانب تعظيم الله تعالى وقوله تعالى { وأنفقوا مما رزقناهم } بمعنى الشفقة على خلقه وقوله تعالى { سراً وعلانية } حث على الإنفاق كيفما تهيأ ، فإن تهيأ سراً فذاك وإلا فعلانية ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء فإن ترك الخير مخافة ذلك هو عين الرياء .

ولما أحل تعالى هؤلاء بالمحل الأعلى بين حالهم بقوله تعالى : { يرجون } أي : في الدنيا والآخرة { تجارة } أي : بما عملوا { لن تبور } أي : تكسد وتهلك بل هي باقية ؛ لأنها رفعت إلى من لا تضيع إليه الودائع وهي رائجة رابحة لكونه تعالى تام القدرة شامل العلم له الغنى المطلق .