تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ} (16)

وأنه إذا { قدر عَلَيْهِ رِزْقُهُ } أي : ضيقه ، فصار يقدر قوته لا يفضل منه ، أن هذا إهانة من الله له ، فرد الله عليه هذا الحسبان بقوله :

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ} (16)

{ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه } الابتلاء هو الاختبار ، واختبار الله لعبده لتقوم الحجة على العبد بما يبدو منه وقد كان الله عالما بذلك قبل كونه والإنسان هنا جنس ، وقيل : نزلت في عتبة بن ربيعة وهي مع ذلك على العموم فيمن كان على هذه الصفة ، وذكر الله في هذه الآية ابتلاءه للإنسان بالخير ثم ذكر بعده ابتلاءه بالشر كما قال في : { ونبلوكم بالشر والخير } [ الأنبياء : 35 ] وأنكر عليه قوله حين الخير : { ربي أكرمن } وقوله حين الشر : { ربي أهانني } ويتعلق بالآية سؤالان :

السؤال الأول : لم أنكر الله على الإنسان قوله ربي أكرمني وربي أهانني ؟ والجواب من وجهين : أحدهما : أن الإنسان يقول : ربي أكرمني على وجه الفخر بذلك والكبر لا على وجه الشكر ، ويقول ربي أهانني على وجه التشكي من الله وقلة الصبر والتسليم لقضاء الله ، فأنكر عليه ما يقتضيه كلامه من ذلك فإن الواجب عليه أن يشكر على الخير ويصبر على الشر .

والآخر : أن الإنسان اعتبر الدنيا فجعل بسط الرزق فيها كرامة وتضييقه إهانة وليس الأمر كذلك فإن الله قد يبسط الرزق لأعدائه ويضيقه على أوليائه فأنكر الله عليه اعتبار الدنيا والغفلة عن الآخرة وهذا الإنكار من هذا الوجه على المؤمن وأما الكافر فإنما اعتبر الدنيا لأنه لا يصدق بالآخرة ويرى أن الدنيا هي الغاية فأنكر عليه ما يقتضيه كلامه من ذلك .

السؤال الثاني : إن قيل : قد قال الله { فأكرمه } فأثبت إكرامه فكيف أنكر عليه قوله : { ربي أكرمن } ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه :

الأول : أنه لم ينكر عليه ذكره للإكرام وإنما أنكر عليه . ما يدل عليه كلامه من الفخر وقلة الشكر أو من اعتبار الدنيا دون الآخرة حسبما ذكرنا في معنى الإنكار .

الثاني : أنه أنكر عليه قوله : { ربي أكرمن } إذا اعتقد أن إكرام الله له باستحقاقه للإكرام على وجه التفضل والإنعام كقول قارون : { إنما أوتيته على علم من عندي } .

الثالث : أن الإنكار إنما هو لقوله : { ربي أهانن } لا لقوله : { ربي أكرمن } فإن قوله : { ربي أكرمن } اعتراف بنعمة الله وقوله : { ربي أهانن } شكاية من فعل الله .

{ فقدر عليه رزقه } أي : ضيقه وقرئ بتشديد الدال وتخفيفها بمعنى واحد وفي التشديد مبالغة وقيل : معنى التشديد جعله على قدر معلوم .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ} (16)

قوله : { وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه } إذا امتحن الله هذا الإنسان الفاسق الضال فضيّق علي رزقه ولم يعطه من الرزق أكثر مما فيه بلغة { فيقول ربي أهانن } ينقلب متبرّما ساخطا من قدر الله وقد أعماه الجهل والحماقة وغرق في لجاجة اليأس والعمه قائلا { ربي أهانن } أي أذاقني الهوان وأذلني بالفقر فلم يحتمل ولم يصطبر . وكان أحرى به أن يذعن لله بالشكر على ما وهبه من نعم العقل والقلب والإرادة والبصر وسائر الجوارح .

ذلك هو ديدن الفاسقين والكافرين من الناس . ويشبههم في هذه الذميمة كثير من ضعفة المسلمين الذين هان الإيمان في قلوبهم وفترت فيهم العزائم والهمم ، فهم يظنون أن ما أعطوه من خير ونعمة إنما هو بما لهم من كرامة وفضيلة عند الله والصواب أن الكرامة عند الله بطاعته وتوفيقه والاستمساك بدينه والفوز بجنته ورضاه . أما الدنيا فإن الله يعطيها من عباده من يحبه ومن لا يحبه ، لكنه لا يعطي الدين والهداية والتقوى إلا من أحبه .