تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ يَوۡمَ ٱلۡفَتۡحِ لَا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِيمَٰنُهُمۡ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ} (29)

{ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ } الذي يحصل به عقابكم ، لا تستفيدون به شيئًا ، فلو كان إذا حصل ، حصل إمهالكم ، لتستدركوا ما فاتكم ، حين صار الأمر عندكم يقينًا ، لكان لذلك وجه ، ولكن إذا جاء يوم الفتح ، انقضى الأمر ، ولم يبق للمحنة محل ف { لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ } لأنه صار إيمان ضرورة ، { وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ } أي : يمهلون ، فيؤخر عنهم العذاب ، فيستدركون أمرهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ يَوۡمَ ٱلۡفَتۡحِ لَا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِيمَٰنُهُمۡ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ} (29)

يقول تعالى مخبرًا عن استعجال الكفار وقوعَ بأس الله بهم ، وحلول غضبه ونقمته عليهم ، استبعادًا وتكذيبًا وعنادا : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ } ؟ أي : متى تنصر علينا يا محمد ؟ كما تزعم أن لك وقتًا تُدَال علينا ، ويُنْتَقم لك منا ، فمتى يكون هذا ؟ ما نراك أنت وأصحابك إلا مختفين خائفين ذليلين !

قال الله تعالى : { قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ } أي : إذا حَلَّ بكم بأس الله وسَخَطه وغضبه في الدنيا وفي الأخرى ، { لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ } ، كما قال تعالى : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } [ غافر : 83 - 85 ] ، ومَنْ زعم أن المراد من هذا الفتح فتحُ مكة فقد أبعد النَّجْعة ، وأخطأ فأفحش ، فإن يوم الفتح قد قَبِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إسلام الطلقاء ، وقد كانوا قريبًا من ألفين ، ولو كان المراد فتح مكة لما قبل إسلامهم ؛ لقوله : { قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ } ، وإنما المراد الفتح الذي هو القضاء والفصل ، كقوله تعالى : { فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 118 ] ، وكقوله : { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ } [ سبأ : 26 ] ، وقال تعالى : { وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } [ إبراهيم : 15 ] ، وقال : { وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } [ البقرة : 89 ] ، وقال : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ } [ الأنفال : 19 ] .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ يَوۡمَ ٱلۡفَتۡحِ لَا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِيمَٰنُهُمۡ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ} (29)

فأمر الله الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يجيبهم على طريقة الأسلوب الحكيم بأن يومَ الفتح الحق هو يوم القيامة وهو يوم الفصل وحينئذ ينقطع أملَ الكفار في النجاة والاستفادة من الندامة والتوبة ولا يجدون إنظاراً لتدارك ما فاتهم ، أي إفادتُهم هذه الموعظة خير لهم من تطلبهم معرفة وقت حلول يوم الفتح لأنهم يقولون يومئذ { ربنا أبصَرْنا وسمِعْنا فارجعنا نعملْ صالحاً إنّا موقنون } [ السجدة : 12 ] مع ما في هذا الجواب من الإيماء إلى أن زمن حلوله غير معلوم للناس وأنه مما استأثر الله به فعلى من يحتاط لنجاة نفسه أن يعمل له من الآن فإنه لا يدري متى يحلّ به { لا ينفعُ نفساً إيمانُها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً } [ الأنعام : 158 ] .

ففي هذا الجواب سلوك الأسلوب الحكيم من وجهين : من وجه العدول عن تعيين يوم الفتح ، ومن وجه العدول بهم إلى يوم الفتح الحق ، وهم إنما أرادوا بالفتح نصر المسلمين عليهم في الحياة الدنيا .

وإظهار وصف { الذين كفروا في مقام الإضمار مع أنهم هم القائلون متى هذا الفتح } لقصد التسجيل عليهم بأن كفرهم هو سبب خيبتهم .

ثم فرع على جميع هذه المجادلات والدلالات توجيه الله خطابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يعرض عن هؤلاء القائلين المكذبين وأن لا يزيد في الإلحاح عليهم تأييساً من إيمان المجادلين منهم المتصدّين للتمويه على دهمائهم . وهذا إعراض متاركة عن الجدال وقتياً لا إعراض مستمر ، ولا عن الدعوة إلى الله ولا علاقة له بأحكام الجهاد المشروع في غير هذه الآية .