تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ يَوۡمَ ٱلۡفَتۡحِ لَا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِيمَٰنُهُمۡ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ} (29)

الآية 29 فأنزل الله تعالى : { قل } يا محمد لهم { يوم الفتح } يوم القضاء { لا ينفع الذين كفروا إيمانهم } بالبعث لقولهم : لو كان البعث الذي تقولون حقا صدّقناه يومئذ { ولا هم ينظرون } يقول : لا يناظر بهم بالعذاب حين يعذبون .

وقال بعضهم : إن أصحاب رسول الله كانوا يتذاكرون ، وهم بمكة ، فتح مكة لهم ، فكان ناس من أهل مكة إذا سمعوا ذلك منهم هزؤوا منهم ، وسخروا ، ويقولن لهم : متى فتحكم الذي تزعمون . فنزل : { ويقولن متى هذا الفتح } يا أصحاب محمد { إن كنتم صادقين } أنها تفتح عليكم . لكن هذا بعيد لأنه يقول على إثره { قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون } ولو كان فتح مكة لكان ينفعهم إيمانهم ، ولهم نظرة وإنظار . دل أنه يبعد صرفه على فتح مكة . والأول أشبه أن يكون لما ذكر من ترك قبول الإيمان والإنظار ، وفي الدنيا يقبل ذلك كله ، فظهر أن الأول أشبه [ لما ]( {[16450]} ) كان السؤال عن الساعة أو عن المحاكمة إلا أن يثبت ما ذكر في الخبر أنه لما فتح الله مكة أقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ذلك اليوم ، وانهزم المشركون ، فخرجوا من مكة . وأقام من أقام بها ، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم .

فأدرج خالد بن الوليد تلك الليلة دلجة في سبع مئة رجل ، ومعه أبو قتادة الأنصاري ، وأسروا في أسفل مكة حتى سقطوا من وراء الحرم ، فوجدوا الذين كانوا يهزؤون بأصحاب محمد ، ويقولون : متى فتحكم هذا ؟ فوق جبل ، وقد تحصنوا فيه . فلما رأوا خالد بن الوليد قالوا : هذا خالد بن الوليد وإحنته ، وقد كان بينه وبينهم في الجاهلية إحنة ، فقال لهم ابن الوليد : مالكم ؟ قالوا : أسلمنا . قال : إن كنتم قد أسلمتم فانزلوا ، فنظر بعضهم إلى بعض ، فقال رجل منهم : أطيعوني ، ولا تنزلوا إليه ، فو الله لئن نزلتم إليه ليهلكنكم إنه لخالد بن الوليد وإحنته ، قالوا : والله ما علينا سبيل ، لقد أسلمنا ، ثم نزلوا ، ووضع عليهم خالد بن الوليد السلاح ، واعتزل أبو قتادة ، فقال : معاذ الله أنراهنن( {[16451]} ) على شيء مما ههنا ؟ فبلغ ذلك النبي ، فبعث إليهم علي بن أبي طالب بالدية من غنائم خيبر ، فوادعهم( {[16452]} ) بالدية ، حتى بعث إليهم بروعة الخيل ، حين راعوهم ، ومساقي الكلاب كانوا كسروها ، فوادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء . فذلك قوله : { قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون } .


[16450]:ساقطة من الأصل وم.
[16451]:في الأصل وم: أنراعين.
[16452]:في الأصل وم: فوداهم.