تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ} (35)

{ الَّذِي أَحَلَّنَا } أي : أنزلنا نزول حلول واستقرار ، لا نزول معبر واعتبار . { دَارَ الْمُقَامَةِ } أي : الدار التي تدوم فيها الإقامة ، والدار التي يرغب في المقام فيها ، لكثرة خيراتها ، وتوالي مسراتها ، وزوال كدوراتها ، وذلك الإحلال { مِنْ فَضْلِهِ } علينا وكرمه ، لا بأعمالنا ، فلولا فضله ، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه .

{ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } أي : لا تعب في الأبدان ولا في القلب والقوى ، ولا في كثرة التمتع ، وهذا يدل على أن اللّه تعالى يجعل أبدانهم في نشأة كاملة ، ويهيئ لهم من أسباب الراحة على الدوام ، ما يكونون بهذه الصفة ، بحيث لا يمسهم نصب ولا لغوب ، ولا هم ولا حزن .

ويدل على أنهم لا ينامون في الجنة ، لأن النوم فائدته زوال التعب ، وحصول الراحة به ، وأهل الجنة بخلاف ذلك ، ولأنه موت أصغر ، وأهل الجنة لا يموتون ، جعلنا اللّه منهم ، بمنه وكرمه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ} (35)

{ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ } : يقولون : الذي أعطانا هذه المنزلة ، وهذا المقام من فضله وَمَنِّه{[24581]} ورحمته ، لم تكن أعمالنا تساوي ذلك . كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة " . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا ، إلا أن يَتَغَمَّدَنِي الله برحمة منه وفضل " . {[24582]}

{ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } أي : لا يمسنا فيها عناء ولا إعياء .

والنصَب واللغوب : كل منهما يستعمل في التعب ، وكأن المراد ينفي هذا وهذا عنهم أنهم لا تعب على أبدانهم ولا أرواحهم{[24583]} ، والله أعلم . فمن ذلك أنهم كانوا يُدْئبُون أنفسهم في العبادة في الدنيا ، فسقط عنهم التكليف بدخولها ، وصاروا في راحة دائمة مستمرة ، قال الله تعالى : { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ } [ الحاقة : 24 ] .


[24581]:- في س : "ومنته".
[24582]:- صحيح البخاري برقم (5673) وصحيح مسلم برقم (2816).
[24583]:- في ت، أ : "ولا على أرواحهم".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ} (35)

و{ المُقَامة } مصدر ميمي من أقام بالمكان إذا قطنه . والمراد : دار الخلود . وانتصب { دار المقامة } على المفعول الثاني ل { أحلنا } أي أسكننا .

و { مِن } في قوله : { من فضله } ابتدائية في موضع الحال من { دار المقامة } .

والفضل : العطاء ، وهو أخُو التفضل في أنه عطاء منّة وكرم .

ومن فضل الله أن جعل لهم الجنة جزاء على الأعمال الصالحة لأنه لو شاء لما جعل للصالحات عطاء ولكان جزاؤها مجرد السلامة من العقاب ، وكان أمر مَن لم يستحق الخلود في النار كفافاً ، أي لا عقاب ولا ثواب فيبقى كالسوائم ، وإنما أرادوا من هذا تمام الشكر والمبالغة في التأدب .

وجملة { لا يمسنا فيها نصب } حال ثانية .

والمسّ : الإِصابة في ابتداء أمرها ، والنصب : التعب من نحو شدّة حر وشدة برد . واللغوب : الإِعياء من جراء عمل أو جري .

وإعادة الفعل المنفي في قوله : { ولا يمسنا فيها لغوب } لتأكيد انتفاء المسّ .