تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَطَّلَعَ ٱلۡغَيۡبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (78)

قال الله ، توبيخا له وتكذيبا : { أَطَّلَعَ الْغَيْبَ } أي : أحاط علمه بالغيب ، حتى علم ما يكون ، وأن من جملة ما يكون ، أنه يؤتى يوم القيامة مالا وولدا ؟ { أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } أنه نائل ما قاله ، أي : لم يكن شيء من ذلك ، فعلم أنه متقول ، قائل ما لا علم له به . وهذا التقسيم والترديد ، في غاية ما يكون من الإلزام وإقامة الحجة ؛ فإن الذي يزعم أنه حاصل له خير عند الله في الآخرة ، لا يخلو : إما أن يكون قوله صادرا عن علم بالغيوب المستقبلة ، وقد علم أن هذا لله وحده ، فلا أحد يعلم شيئا من المستقبلات الغيبية ، إلا من أطلعه الله عليه من رسله .

وإما أن يكون متخذا عهدا عند الله ، بالإيمان به ، واتباع رسله ، الذين عهد الله لأهله ، وأوزع أنهم أهل الآخرة ، والناجون الفائزون . فإذا انتفى هذان الأمران ، علم بذلك بطلان الدعوى ، ولهذا قال تعالى : { كَلَّا }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَطَّلَعَ ٱلۡغَيۡبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (78)

وقوله : { أَطَّلَعَ الْغَيْبَ } : إنكار على هذا القائل ، { لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا } يعني : يوم القيامة ، أي : أعلم ما له في الآخرة حتى تَألى{[19120]} وحلف على ذلك ، { أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } : أم له عند الله عهد سيؤتيه ذلك ؟ وقد تقدم عند البخاري : أنه الموثق .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس : { أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } قال : لا إله إلا الله ، فيرجو بها{[19121]} . وقال محمد بن كعب القرظي : { أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا }{[19122]} قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، ثم قرأ : { أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } .


[19120]:في أ: "حتى مالأ".
[19121]:في أ: "فيرجونها".
[19122]:في ف: "أم اتخذ"، وفي هـ: "إلا من اتخذ"، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَطَّلَعَ ٱلۡغَيۡبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (78)

وقوله { أطلع الغيب } توقيف ، والألف للاستفهام ، وحذفت ألف الوصل للاستغاء عنها{[8035]} ، واتخاذ العهد معناه بالإيمان والأعمال الصالحة .


[8035]:يفهم من هذا الكلام أن الألف التي للاستفهام حذفت في الوصل، وهذا غير صحيح، فهي موجودة، ولكن أصل الكلمة (أأطلع) فحذفت الألف الثانية لأنها ألف وصل. ونرجح أن أصل الكلام "وحذفت ألفه في الوصل للاستغناء عنها" فسقطت كلمة (ألفه).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَطَّلَعَ ٱلۡغَيۡبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (78)

جملة { أطلّع الغيب } جواب لكلامه على طريقة الأسلوب الحكيم بحمل كلامه على ظاهر عبارته من الوعد بقضاء الدّين من المال الذي سيجده حين يبعث ، فالاستفهام في قوله { أطلع الغيب } إنكاري وتعجيبي .

و { أطّلع } افتعل من طلع للمبالغة في حصول فعل الطلوع وهو الارتقاء ، ولذلك يقال لمكان الطلوع مطْلَع بالتخفيف ومُطّلع بالتشديد . ومن أجل هذا أطلق الاطلاع على الإشراف على الشيء ، لأنّ الذي يروم الإشراف على مكان محجوب عنه يرتقي إليه من عُلّو ، فالأصل أن فعل ( اطّلع ) قاصر غير محتاج إلى التعدية ، قال تعالى : { قال هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه في سواء الجحيم } [ الصافات : 54 ، 55 ] ، فإذا ضُمن { اطّلع معنى أشرَف عُدي بحرف الاستعلاء كقوله تعالى : { لو اطَلعتَ عليهم لولّيتَ منهم فراراً } وتقدّم إجمالاً في سورة الكهف ( 18 ) .

فانتصب الغيب } في هذه الآية على المفعولية لا على نزع الخافض كما توهمه بعض المفسرين . قال في « الكشاف » : « ولاختيار هذه الكلمة شأنٌ ، يقول : أو قد بلغ من عظمة شأنه أن ارتقى إلى علم الغيب » اهـ .

فالغيبُ : هو ما غاب عن الأبصار .

والمعنى : أأشرف على عالم الغيب فرأى مالاً وولداً معَدّيْننِ له حين يأتي يوم القيامة أو فرأى ماله وولده صائرين معه في الآخرة لأنه لما قال فسيكون لي مال وولد عنى أن ماله وولده راجعان إليه يومئذ أم عهد الله إليه بأنّه معطيه ذلك فأيقن بحصوله ، لأنه لا سبيل إلى معرفة ما أعد له يوم القيامة إلا أحد هذين إما مكاشفة ذلك ومشاهدته ، وإما إخبار الله بأنه يعطيه إياه .

ومتعلّق العهد محذوف يدلّ عليه السياق . تقديره : بأن يعطيه مالاً وولداً .

و { عند } ظرف مكان ، وهو استعارة بالكناية بتشبيه الوعد بصحيفة مكتوبة بها تعاهُد وتعاقد بينه وبين الله موضوعة عند الله ، لأن الناس كانوا إذا أرادوا توثيق ما يتعاهدون عليه كتبوه في صحيفة ووضعوها في مكان حصين مشهور كما كتب المشركون صحيفة القطيعة بينهم وبين بني هاشم ووضعوها في الكعبة . وقال الحارث بن حلزة :

حذر الجور والتطاخي وهل ينقض *** مـا في المهارق الأهـــواءُ

ولعلّ في تعقيبه بقوله { سنكتب ما يقول } إشارة إلى هذا المعنى بطريق مراعاة النظير .

واختير هنا من أسمائه { الرحمن } ، لأن استحضار مدلوله أجدر في وفائه بما عهد به من النعمة المزعومة لهذا الكافر ، ولأن في ذكر هذا الاسم توركاً على المشركين الذين قالوا { وما الرحمن } [ الفرقان : 60 ] .