{ 28 } ثم استدل عليهم وعلى بعثهم بدليل عقلي ، وهو دليل الابتداء ، فقال : { نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ } أي : أوجدناهم من العدم ، { وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ } أي : أحكمنا خلقتهم بالأعصاب ، والعروق ، والأوتار ، والقوى الظاهرة والباطنة ، حتى تم الجسم واستكمل ، وتمكن من كل ما يريده ، فالذي أوجدهم على هذه الحالة ، قادر على أن يعيدهم بعد موتهم لجزائهم ، والذي نقلهم في هذه الدار إلى هذه الأطوار ، لا يليق به أن يتركهم سدى ، لا يؤمرون ، ولا ينهون ، ولا يثابون ، ولا يعاقبون ، ولهذا قال : { بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا } أي : أنشأناكم للبعث نشأة أخرى ، وأعدناكم بأعيانكم ، وهم بأنفسهم أمثالهم .
ثم قال : { نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : يعني خَلْقَهم . { وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا } أي : وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة ، وبَدلناهم فأعدناهم خلقا جديدا . وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة .
وقال ابن زيد ، وابن جرير : { وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا } [ أي ]{[29618]} : وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم ، كقوله : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ{[29619]} قَدِيرًا } [ النساء : 133 ] وكقوله : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } [ إبراهيم : 19 ، 20 ، وفاطر 16 ، 17 ] .
ثم عدد النعم على عباده في خلقهم وإيجادهم وإتقان بنيتهم وشدِّ خلقتهم ، والأسر : الخلقة واتساع الأعضاء والمفاصل ، وقد قال أبو هريرة والحسن والربيع الأسر : المفاصل والأوصال ، وقال بعضهم الأسر : القوة : ومنه قل الشاعر : [ الوافر ]
فأنجاه غداة الموت مني*** شديد الأسر عض على اللجام{[11532]}
وقول آخر [ الأخطل ] : [ الكامل ]
من كل محتدب شديد أسره*** سلس القياد تخاله مختالا{[11533]}
قال الطبري ومنه قول العامة : خذه بأسره يريدون خذه كله{[11534]} .
قال القاضي أبو محمد : وأصل هذا في ما له شد ورباط كالعظم ونحوه ، وليس هذا مما يختص بالعامة بل هو من فصيح كلام العرب . اللهم إلا أن يريد بالعامة جمهور العرب ومن اللفظة الإسار وهو القيد الذي يشد به الأسير ، ثم توعد تعالى بالتبديل واجتمع من القولين تعديد النعمة والوعيد بالتبدل احتجاجاً على منكري البعث ، أي من هذا الإيجاد والتبديل إذا شاء في قدرته ، فكيف تتعذر عليه الإعادة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.