تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ} (2)

{ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } أي : ليس المقصود بالوحي ، وإنزال القرآن عليك ، وشرع الشريعة ، لتشقى بذلك ، ويكون في الشريعة تكليف يشق على المكلفين ، وتعجز عنه قوى العاملين . وإنما الوحي والقرآن والشرع ، شرعه الرحيم الرحمن ، وجعله موصلا للسعادة والفلاح والفوز ، وسهله غاية التسهيل ، ويسر كل طرقه وأبوابه ، وجعله غذاء للقلوب والأرواح ، وراحة للأبدان ، فتلقته الفطر السليمة والعقول المستقيمة بالقبول والإذعان ، لعلمها بما احتوى عليه من الخير في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال : { إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ} (2)

وقوله { مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } قال جويبر ، عن الضحاك : لما أنزل الله القرآن على رسوله ، قام به هو وأصحابه ، فقال المشركون من قريش : ما أنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى ! فأنزل الله تعالى : { طه مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى } .

فليس الأمر كما زعمه المبطلون ، بل من آتاه الله العلم فقد أراد به خيرًا كثيرًا ، كما ثبت في الصحيحين ، عن معاوية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين " . {[19194]} .

وما أحسن الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في ذلك حيث قال :

حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا العلاء بن سالم ، حدثنا إبراهيم الطالقاني ، حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن سِمَاك بن حرب ، عن ثعلبة بن الحكم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده : إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم{[19195]} إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ، ولا أبالي " {[19196]} .

إسناده جيد وثعلبة بن الحكم هذا [ هو الليثي ]{[19197]} ذكره أبو عمر في استيعابه ، وقال : نزل البصرة ، ثم تحول إلى الكوفة ، وروى عنه سماك بن حرب{[19198]} .

وقال مجاهد في قوله : { مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } : هي كقوله : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ } [ المزمل : 20 ] وكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة .

وقال قتادة : { مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } : لا والله ما جعله شقاء ، ولكن جعله رحمة ونورًا ، ودليلا إلى الجنة .

{ إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى } : إن الله أنزل كتابه ، وبعث رسله{[19199]} .

رحمة ، رحم بها العباد ، ليتذكر ذاكر ، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله ، وهو ذكر أنزل الله فيه حلاله وحرامه .


[19194]:صحيح البخاري برقم (71) وصحيح مسلم برقم (1037).
[19195]:في ف: "علمي فيكم وحكمتي".
[19196]:المعجم الكبير (2/84) وقال الهيثمي في المجمع (1/126): "رجاله موثقون".
[19197]:زيادة من ف، أ.
[19198]:الاستيعاب (1/204).
[19199]:في أ: "رسوله".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ} (2)

{ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } خبر { طه } إن جعلته مبتدأ على أنه مؤول بالسورة ، أو { القرآن } والقرآن فيه واقع موقع العائد وجوابه إن جعلته مقسما به ومنادى له إن جعلته نداء ، واستئناف إن كانت جملة فعلية أو اسمية بإضمار مبتدأ ، أو طائفة من الحروف محكية والمعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب بفرط تأسفك على كفر قريش إذ ما عليك إلا أن تبلغ أو بكثرة الرياضة وكثرة التهجد والقيام على ساق . والشقاء شائع بمعنى التعب ومنه أشقى من رائض المهر ، وسيد القوم أشقاهم . ولعله عدل إليه للإشعار بأنه أنزل عليه ليسعد وقيل رد وتكذيب للكفرة ، فإنهم لما رأوا كثرة عبادته قالوا إنك لتشقى بترك ديننا وإن القرآن أنزل عليك لتشقى به .