تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوٓاْ أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (50)

قال الله في لومهم على الإعراض عن الحكم الشرعي : { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أي : علة ، أخرجت القلب عن صحته وأزالت حاسته ، فصار بمنزلة المريض ، الذي يعرض عما ينفعه ، ويقبل على ما يضره ،

{ أَمِ ارْتَابُوا } أي : شكوا ، وقلقت قلوبهم من حكم الله ورسوله ، واتهموه أنه لا يحكم بالحق ، { أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } أي : يحكم عليهم حكما ظالما جائرا ، وإنما هذا وصفهم { بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }

وأما حكم الله ورسوله ، ففي غاية العدالة والقسط ، وموافقة الحكمة . { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } وفي هذه الآيات ، دليل على أن الإيمان ، ليس هو مجرد القول حتى يقترن به العمل ، ولهذا نفى الإيمان عمن تولى عن الطاعة ، ووجوب الانقياد لحكم الله ورسوله في كل حال ، وأن من ينقد له دل على مرض في قلبه ، وريب في إيمانه ، وأنه يحرم إساءة الظن بأحكام الشريعة ، وأن يظن بها خلاف العدل والحكمة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوٓاْ أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (50)

{ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } يعني : لا يخرج أمرهم عن أن يكون في القلوب مَرَض لازم لها ، أو قد عرض لها شك في الدين ، أو يخافون أن يجور الله ورسوله عليهم في الحكم . وأيّا ما كان فهو كفر محض ، والله عليم بكل منهم ، وما هو عليه منطو من هذه الصفات .

وقوله : { بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } أي : بل هم الظالمون الفاجرون ، والله ورسوله مبرآن مما يظنون ويتوهمون من الحيف والجور ، تعالى الله ورسوله عن ذلك .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا مبارك ، حدثنا الحسن قال :

كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة ، فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مُحِقّ أذعن ، وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي له بالحق . وإذا أراد أن يظلم فدُعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرض ، وقال : أنطلقُ إلى فلان . فأنزل الله هذه الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان بينه وبين أخيه شيء ، فدُعِي إلى حَكَم من حُكَّام المسلمين فأبى أن يجيب ، فهو ظالم لا حق له " {[21296]} .

وهذا حديث غريب ، وهو مرسل .


[21296]:- ورواه عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن مرسلا كما في الدر المنثور (6/213).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوٓاْ أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (50)

وقوله : أفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يقول تعالى ذكره : أفي قلوب هؤلاء الذين يُعْرِضون إذا دُعُوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ، شكّ في رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لله رسول فهم يمتنعون من الإجابة إلى حكمه والرضا به . أمْ يَخافُونَ أن يَحِيفَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ إذا احتكموا إلى حكم كتاب الله وحكم رسوله . وقوله : أن يَحيفَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ والمعنى : أن يحيف رسولُ الله عليهم ، فبدأ بالله تعالى ذكره تعظيما لله ، كما يقال : ما شاء الله ثم شئت ، بمعنى : ما شئت . ومما يدلّ على أن معنى ذلك كذلك قوله : وَإذَا دُعُوا إلى اللّهِ وَرَسُولهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فأفرد الرسول بالحكم ، ولم يقُل : ليحكما . وقوله : بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ يقول : ما خاف هؤلاء المعرضون عن حكم الله وحكم رسوله ، إذ أعرضوا عن الإجابة إلى ذلك ، مما دُعوا إليه ، أن يحيف عليهم رسول الله ، فيجورَ في حكمه عليهم ولكنهم قوم أهل ظلم لأنفسهم بخلافهم أمر ربهم ومعصيتهم الله فيما أمرهم من الرضا بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أحبوا وكرهوا ، والتسليم له . )