ثم قسم الأمر في إعراضهم عن حكومته إذا كان الحقّ عليهم ، فقال : { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } ، وهذه الهمزة للتوبيخ ، والتقريع لهم ، والمرض النفاق : أي أكان هذا الإعراض منهم بسبب النفاق الكائن في قلوبهم { أَمِ ارتابوا } ، وشكوا في أمر نبوّته صلى الله عليه وسلم وعدله في الحكم { أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } ، والحيف الميل في الحكم ؛ يقال : حاف في قضيته : أي جار فيما حكم به ، ثم أضرب عن هذه الأمور التي صدّرها بالاستفهام الإنكاري ، فقال { بَلْ أولئك هُمُ الظالمون } أي ليس ذلك لشيء مما ذكر ، بل لظلمهم وعنادهم ؛ فإنه لو كان الإعراض لشيء مما ذكر لما أتوا إليه مذعنين إذا كان الحق لهم ، وفي هذه الآية دليل على وجوب الإجابة إلى القاضي العالم بحكم الله العادل في حكمه ؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء ، والحكم من قضاة الإسلام العالمين بحكم الله العارفين بالكتاب والسنة ، العادلين في القضاء هو حكم بحكم الله ، وحكم رسوله ، فالداعي إلى التحاكم إليهم قد دعا إلى الله ، وإلى رسوله : أي إلى حكمهما . قال ابن خويز منداد : واجب على كل من دعي إلى مجلس الحاكم أن يجيب ما لم يعلم أن الحاكم فاسق .
قال القرطبي : في هذه الآية دليل على وجوب إجابة الداعي إلى الحاكم ، لأن الله سبحانه ذمّ من دعي إلى رسوله ليحكم بينه وبين خصمه بأقبح الذمّ ، فقال { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } الآية انتهى . فإن كان القاضي مقصراً لا يعلم بأحكام الكتاب ، والسنة ، ولا يعقل حجج الله ، ومعاني كلامه وكلام رسوله ، بل كان جاهلاً جهلاً بسيطاً ، وهو من لا علم له بشيء من ذلك ، أو جهلاً مركباً ، وهو من لا علم عنده بما ذكرنا ، ولكنه قد عرف بعض اجتهادات المجتهدين ، واطلع على شيء من علم الرأي ، فهذا في الحقيقة جاهل ، وإن اعتقد أنه يعلم بشيء من العلم فاعتقاده باطل ؛ فمن كان من القضاة هكذا ، فلا تجب الإجابة إليه ؛ لأنه ليس ممن يعلم بحكم الله ورسوله حتى يحكم به بين المتخاصمين إليه ، بل هو من قضاة الطاغوت ، وحكام الباطل ، فإنّ ما عرفه من علم الرأي إنما رخص في العمل به للمجتهد الذي هو منسوب إليه عند عدم الدليل من الكتاب والسنة ، ولم يرخص فيه لغيره ممن يأتي بعده . وإذا تقرّر لديك هذا ، وفهمته حق فهمه علمت أن التقليد والإنتساب إلى عالم من العلماء دون غيره ، والتقيد بجميع ما جاء به من رواية ورأي ، وإهمال ما عداه من أعظم ما حدث في هذه الملة الإسلامية من البدع المضلة ، والفواقر الموحشة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . وقد أوضحنا هذا في مؤلفنا الذي سميناه : «القول المفيد في حكم التقليد » وفي مؤلفنا الذي سميناه : «أدب الطلب ومنتهى الأرب » فمن أراد أن يقف على حقيقة هذه البدعة التي طبقت الأقطار الإسلامية ، فليرجع إليهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.