تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَيَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيۡـٔٗاۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (39)

{ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } في الدنيا والآخرة ، فإن عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب ، لما فيها من المضار الشديدة ، فإن المتخلف ، قد عصى اللّه تعالى وارتكب لنهيه ، ولم يساعد على نصر دين اللّه ، ولا ذب عن كتاب اللّه وشرعه ، ولا أعان إخوانه المسلمين على عدوهم الذي يريد أن يستأصلهم ويمحق دينهم ، وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الإيمان ، بل ربما فَتَّ في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء اللّه ، فحقيق بمن هذا حاله أن يتوعده اللّه بالوعيد الشديد ، فقال : { إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ } ثم لا يكونوا أمثالكم { وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا } فإنه تعالى متكفل بنصر دينه وإعلاء كلمته ، فسواء امتثلتم لأمر اللّه ، أو ألقيتموه ، وراءكم ظهريا .

{ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } لا يعجزه شيء أراده ، ولا يغالبه أحد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَيَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيۡـٔٗاۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (39)

ثم توعد تعالى على ترك الجهاد فقال : { إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } قال ابن عباس : استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا من العرب ، فتثاقلوا عنه ، فأمسك الله عنهم القَطْر فكان عذابهم .

{ وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ } أي : لنصرة نبيه وإقامة دينه ، كما قال تعالى : { إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } [ محمد : 38 ] .

{ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا } أي : ولا تضروا الله شيئًا بتوليكم عن الجهاد ، ونُكُولكم وتثاقلكم عنه ، { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي : قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم .

وقد قيل : إن هذه الآية ، وقوله : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا } وقوله { مَا كَانَ لأهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ } [ التوبة : 120 ] إنهن منسوخات بقوله تعالى : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ } [ التوبة : 122 ] رُوي هذا عن ابن عباس ، وعِكْرِمة ، والحسن ، وزيد بن أسلم . ورده{[13510]} ابن جرير وقال : إنما هذا فيمن دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد ، فتعين عليهم ذلك ، فلو تركوه لعوقبوا عليه .

وهذا له اتجاه ، والله [ سبحانه و ]{[13511]} تعالى أعلم [ بالصواب ]{[13512]}


[13510]:- في أ : "ورواه".
[13511]:- زيادة من ت ، أ.
[13512]:- زيادة من ت ، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَيَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيۡـٔٗاۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (39)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِلاّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسوله ، متوعدهم على ترك النفر إلى عدوّهم من الروم : إن لم تنفروا أيها المؤمنون إلى من استنفركم رسول الله ، يعذّبكم الله عاجلاً في الدنيا بترككم النفر إليهم عذابا موجعا . وَيَسْتَبْدِلْ قَوْما غيرَكُمْ يقول : يستبدل الله بكم نبيه قوما غيركم ، ينفرون إذا استنفروا ، ويجيبونه إذا دعوا ، ويطيعون الله ورسوله . وَلا تَضُرّوه شَيْئا يقول : ولا تضرّوا الله بترككم النفير ومعصيتكم إياه شيئا ، لأنه لا حاجة به إليكم ، بل أنتم أهل الحاجة إليه ، وهو الغنيّ عنكم وأنتم الفقراء واللّهُ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول جلّ ثناؤه : والله على إهلاككم واستبدال قوم غيركم بكم وعلى كل ما يشاء من الأشياء قدير . وقد ذكر أن العذاب الأليم في هذا الموضع كان احتباس القطر عنهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، قال : ثني عبد المؤمن بن خالد الحنفي ، قال : ثني نجدة الخراساني ، قال : سمعت ابن عباس ، سئل عن قوله : إلاّ تَنْفِرُوا يُعَذّبْكُمْ عَذَابا ألِيما قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر حيّا من أحيار العرب ، فتثاقلوا عنه ، فأمسك عنهم المطر ، فكان ذلك عذابهم ، فذلك قوله : إلاّ تَنْفِرُوا يُعَذّبْكُمْ عَذَابا ألِيما .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبد المؤمن ، عن نجدة ، قال : سألت ابن عباس ، فذكر نحوه ، إلا أنه قال : فكان عذابهم أن أمسك عنهم المطر .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : إلاّ تَنْفِرُوا يُعَذّبْكُمْ عَذَابا ألِيما استنفر الله المؤمنين في لهبان الحرّ في غزوة تبوك قبل الشأم على ما يعلم الله من الجهد .

وقد زعم بعضهم أن هذه الآية منسوخة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة والحسن البصريّ ، قالا : قال : إلاّ تَنْفِرُوا يُعَذّبْكُمْ عَذَابا ألِيما وقال : ما كانَ لأهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أنْ يَتَخَلّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ وَلا يَرْغَبُوا بأنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ . . . إلى قوله : لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أحْسَنَ ما كَانُوا يَعْمَلُونَ فنسختها الآية التي تلتها : ومَا كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً . . . إلى قوله : لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَ .

قال أبو جعفر : ولا خبر بالذي قال عكرمة والحسن من نسخ حكم هذه الآية التي ذكروا يجب التسليم له ، ولا حجة تأتي بصحة ذلك ، وقد رأى ثبوت الحكم بذلك عدد من الصحابة والتابعين سنذكرهم بعد . وجائز أن يكون قوله : إلاّ تَنْفِرُوا يُعَذّبْكُمْ عَذَابا ألِيما لخاصّ من الناس ، ويكون المراد به من استنفره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينفر على ما ذكرنا من الرواية عن ابن عباس . وإذا كان ذلك كذلك ، كان قوله : ومَا كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً نهيا من الله المؤمنين عن إخلاء بلاد الإسلام بغير مؤمن مقيم فيها ، وإعلاما من الله لهم أن الواجب النفر على بعضهم دون بعض ، وذلك على من استنفر منهم دون من لم يستنفر . وإذا كان ذلك كذلك لم يكن في إحدى الاَيتين نسخ للأخرى ، وكان حكم كل واحدة منهما ماضيا فيما عُنِيَتْ به .