البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَيَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيۡـٔٗاۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (39)

{ إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير } : هذا سخط على المتثاقلين عظيم ، حيث أوعدهم بعذاب أليم مطلق يتناول عذاب الدارين ، وأنه يهلكهم ويستبدل قوماً آخرين خيراً منهم وأطوع ، وأنه غني عنهم في نصرة دينه ، لا يقدح تثاقلهم فيها شيئاً .

وقيل : يعذبكم بإمساك المطر عنكم .

وروي عن ابن عباس أنه قال : استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيلة فقعدت ، فأمسك الله عنها المطر وعذبها بها به .

والمستبدل الموعود بهم ، قال : جماعة أهل اليمن .

وقال ابن جبير : أبناء فارس .

وقال ابن عباس : هم التابعون ، والظاهر مستغن عن التخصيص .

وقال الأصم : معناه أنه تعالى يخرج رسوله من بين أظهرهم إلى المدينة .

قال القاضي : وهذا ضعيف ، لأنّ اللفظ لا دلالة فيه على أنه ينتقل من المدينة إلى غيرها ، ولا يمتنع أن يظهر في المدينة أقواماً يعينونه على الغزو ، ولا يمتنع أن يعينه بأقوام من الملائكة أيضاً حال كونه هناك .

والضمير في : ولا تضروه شيئاً ، عائد على الله تعالى أي : ولا تضروا دينه شيئاً .

وقيل : على الرسول ، لأنه تعالى قد عصمه ووعده بالنصر ، ووعده كائن لا محالة .

ولما رتب على انتفاء نفرهم التعذيب والاستبدال وانتفاء الضرر ، أخبر تعالى أنه على كل شيء تتعلق إرادته به قدير من التعذيب والتغيير وغير ذلك .