تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ} (31)

ثم ذكر أعظم امتحان يمتحن به عباده ، وهو الجهاد في سبيل الله ، فقال : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } أي : نختبر إيمانكم وصبركم ، { حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } فمن امتثل أمر الله وجاهد في سبيل الله لنصر دينه وإعلاء كلمته فهو المؤمن حقا ، ومن تكاسل عن ذلك ، كان ذلك نقصا في إيمانه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ} (31)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "وَلَنَبْلُوَنّكُمْ "أيها المؤمنون بالقتل، وجهاد أعداء الله، "حتى نَعْلَمَ المُجاهِدِينَ مِنْكُمْ" يقول: حتى يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في الله منكم، وأهل الصبر على قتال أعدائه، فيظهر ذلك لهم، ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه من ذوي الشكّ والحَيرة فيه، وأهل الإيمان من أهل النفاق ونبلو أخباركم، فنعرف الصادق منكم من الكاذب...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي حتى يعلم أولياؤه المجاهدين منكم والصابرين من غير المجاهدين وغير الصابرين، فيكون المراد من إضافته العلم إلى نفسه علم أوليائه كقوله تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم} [محمد: 7]...

{ونبلوَ أخباركم} أي ونبلوَ في أخباركم التي أخبرتم عن أنفسكم...

. وقال بعضهم: {ونبلوَ أخباركم} أي نُظهر نفاقكم للمسلمين، إذ كان الله تعالى عالما قبل أن يبلوهم، والله أعلم...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

بالابتلاء والامتحان تتبين جواهرُ الرجال، فيظهر المخلصُ، ويفتضح الماذقُ، وينكشف المنافق، فالذين آمنوا وأخلصوا نجوا وتخلصوا، والذين كفروا ونافقوا وقعوا في الهوان وأُذِلُّوا، ووسِموا بالشَقاوة وقُطعوا...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} أي لنأمرنكم بما لا يكون متعينا للوقوع، بل بما يحتمل الوقوع ويحتمل عدم الوقوع كما يفعل المختبر، وقوله تعالى: {حتى نعلم المجاهدين} أي نعلم المجاهدين من غير المجاهدين...

أي المقدمين على الجهاد {والصابرين} أي الثابتين الذين لا يولون الأدبار. وقوله {ونبلو أخباركم}... وبالجهاد يعلم الصادق من الكاذب... فالمؤمن وفى بعهده وقاتل مع أصحابه {في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص} والمنافق كان كالهباء ينزعج بأدنى صيحة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ولنبلونكم} أي نعاملكم معاملة المبتلى بأن تخالطكم بما لنا من صفات العظمة بالأوامر الشديدة على النفوس والنواهي الكريهة إليها والمصائب...

{حتى نعلم} بالابتلاء علماً شهودياً يشهده غيرنا مطابقاً لما كنا تعلمه علماً غيبياً فنستخرج من سرائركم ما كوناه فيكم وجبلناكم عليه مما لا يعلمه أحد منكم- بل ولا تعلمونه أنتم حق علمه {المجاهدين منكم} في القتال وفي- سائر الأعمال والشدائد والأهوال امتثالاً للأمر بذلك. ولما كان عماد الجهاد الصبر على المكاره قال تأكيداً لأمره: {والصابرين} أي على شدائد الجهاد وغيره من الأنكاد...

{ونبلوا أخباركم} أي نخالطها بأن نسلط عليها من يحرفها فيجعل حسنها قبيحاً وقبيحاً مليحاً ليظهر للناس العامل لله والعامل للشيطان...

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

{ونبلوا أخباركم} أي أفانين أقوالكم، وضروب بياناتكم، وأعمال قوة ألسنتكم في نشر الحق والصدع به والدأب عليه، هل هو متمحض لذلك، أم فيه ما فيه من المحاباة خيفة لوم اللائم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والبَلْو: الاختبار وتعرُّف حال الشيء. والمراد بالابتلاء الأمر والنهي في التكليف، فإنه يظهرَ به المطيع والعاصي والكافر...

{حتى} حرف انتهاء فما بعدها غاية للفعل الذي قبلها وهي هنا مستعملة في معنى لام التعليل تشبيهاً لعلة الفعل بغايته...

بمعنى لام التعليل كقوله تعالى: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} [المنافقون: 7]. فالمعنى: ولنبلونكم لنعلم المجاهدين منكم والصابرين...

فالله شرع الجهاد لنصر الدين ومِنْ شرَعه يتبين من يجاهد ومن يقعد عن الجهاد، ويتبين من يصبر على لأواء الحرب ومن ينخذل ويفر، فلا تروج على الناس دعوى المنافقين صدق الإيمان ويعلم الناس المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه. وبلو الإخبار: ظهور الأحدوثة من حسن السمعة وضده...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ومع أنّ لهذا الابتلاء والاختبار أبعاداً واسعة، ومجالات رحبة تشمل الصبر والثبات في أداء كلّ الواجبات والتكاليف، ولكن المراد منه هنا الامتحان في ساحة الحرب والقتال لمناسبته كلمة «المجاهدين»، والآيات السابقة واللاحقة، والحق أنّ ميدان الجهاد ساحة اختبار عسير وشديد، وقلّما يستطيع المرء أن يخفي واقعه في أمثال هذه الميادين...

(ونبلوا أخباركم). قال كثير من المفسّرين: إنّ المراد من الأخبار هنا أعمال البشر، وذلك أن عملاً ما إذا صدر من الإنسان، فإنّه سينتشر بين الناس كخبر. وقال آخرون: إنّ المراد من الأخبار هنا: الأسرار الداخلية، لأنّ أعمال الناس تخبر عن هذه الأسرار. ويحتمل أن تكون الأخبار هنا بمعنى الأخبار التي يخبر بها الناس عن وضعهم وعهودهم ومواثيقهم، فالمنافقون مثلاً كانوا قد عاهدوا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يرجعوا عن القتال، في حين أنّهم نقضوا عهدهم: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولّون الأدبار). ونراهم في موضع آخر: (ويستأذن فريق منهم النّبي يقولون إنّ بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلاّ فراراً). وبهذا فإنّ الله سبحانه يختبر أعمال البشر، كما يختبر أقوالهم وأخبارهم...