السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ} (31)

{ ولنبلونكم } أي : نعاملكم معاملة المبتلى ، بأن نخالطكم بما لنا من العظمة بالأوامر الشديدة على النفوس والنواهي الكريهة إليها . { حتى نعلم } أي : بالابتلاء علماً شهودياً يشهده غيرنا مطابقاً لما كنا نعلمه علماً غيبياً ، فنستخرج من سرائركم ما جبلناكم عليه مما لا يعلمه أحد منكم بل ولا تعلمونه حق علمه { المجاهدين منكم } في القتال وفي سائر الأعمال والشدائد والأهوال امتثالاً للأمر بذلك { والصابرين } أي : على شدائد الجهاد وغيره من الأنكاد قال القشيري : فبالابتلاء والامتحان تتبين جواهر الرجال فيظهر المخلص ويفتضح المماذق وينكشف المنافق ا . ه .

وعن الفضيل : أنه كان إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : اللهم لا تبلنا فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا وعذبتنا { ونبلو أخباركم } أي : نخالطها بأن : نسلط عليها من يحرفها فيجعل حسنها قبيحاً وقبيحها حسنا ليظهر للناس العامل لله والعامل للشيطان ، فإنّ العامل لله إذا سمى قبيحه باسم الحسن علم أنّ ذلك إحسان من الله تعالى إليه فيستحي منه ويرجع ، وإذا سمى حسنه باسم القبيح وأشهر به علم أنّ ذلك لطف من الله تعالى به لكي لا يدركه العجب أو يهاجمه الرياء فيزيد في إحسانه ، والعامل للشيطان يزداد في القبائح ، لأنّ شهرته عند الناس محط نظره ويرجع عن الحسن لأنه لم يوصله إلى ما أراد به من ثناء الناس عليه بالخير .