تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ} (31)

الآية 31 وقوله تعالى : { ولنبلونّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين } هذا يخرّج على وجوه :

أحدها : أي حتى يعلم أولياؤه المجاهدين منكم والصابرين من غير المجاهدين وغير الصابرين ، فيكون المراد من إضافته العلم إلى نفسه علم أوليائه كقوله تعالى : { إن تنصروا الله ينصركم } [ محمد : 7 ] وقوله عز وجل : { يخادعون الله وهو خادعهم } [ النساء : 142 ] ونحوه . فالمراد منه أوليائه على أحد التأويلات ، والله أعلم .

والثاني : يكون المراد بالعلم المعلوم ، وذلك جائز في اللسان واللغة ، يقول الناس : الصلاة أمر الله ، أي مأمور الله كقوله عز وجل : { حتى يأتيك اليقين } [ الحجر : 99 ] أي الموقن به [ وقوله تعالى ]{[19472]} : { ومن يكفر بالإيمان } [ المائدة : 5 ] أي بالمؤمن به ، ونحو ذلك كثير .

والثالث : أي يعلم كائنا ما قد علمه أنه سيكون ؛ إذ لا يجوز أن يوصف هو بعلم ما سيكون يعلمه كائنا أو بعلم ما قد كان يعلمه أنه يكون كائنا ، ولكن يوصف بما قد علمه كائنا أنه علمه كائنا أو بعلم ما علِم أنه سيكون أنه يكون ، لأنه يوجب الجهل ، ويكون التغيّر في ذلك المعلوم لا في علمه ، والله الموفّق .

وقوله تعالى : { ونبلوَ أخباركم } أي ونبلوَ في أخباركم التي أخبرتم عن أنفسكم كقوله تعالى : { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر } [ التوبة : 74 ] وقوله عز وجل : { ومنهم من عاهد الله } [ التوبة : 75 ] إلى آخر ما ذكر ؛ نبلو في تلك الأخبار التي أخبروا عن أنفسهم ، والله أعلم .

ويحتمل أن يكونوا ابتُلوا في قولهم الذي قالوا ، وأعطوا بلسانهم حين{[19473]} قالوا : آمنا كقوله تعالى : { الم } { أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون } [ العنكبوت : 1 و2 ] فُتنوا في ما قالوا ، وأخبروا ، أي ابتُلوا ؛ فالفتنة والمحنة والابتلاء والبلاء واحد ، والله أعلم .

وقال بعضهم : { ونبلوَ أخباركم } أي نُظهر نفاقكم للمسلمين ، إذ كان الله تعالى عالما قبل أن يبلوهم ، والله أعلم .


[19472]:ساقطة من الأصل وم.
[19473]:في الأصل وم: حيث.