تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗاۚ وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ} (80)

{ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } الذين عرفوا حقائق الأشياء ، ونظروا إلى باطن الدنيا ، حين نظر{[615]}  أولئك إلى ظاهرها : { وَيْلَكُمْ } متوجعين مما تمنوا لأنفسهم ، راثين لحالهم ، منكرين لمقالهم : { ثَوَابُ اللَّهِ } العاجل ، من لذة العبادة ومحبته ، والإنابة إليه ، والإقبال عليه . والآجل من الجنة وما فيها ، مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين { خَيْرٌ } من هذا الذي تمنيتم ورغبتم فيه ، فهذه حقيقة الأمر ، ولكن ما كل من يعلم ذلك يؤثر الأعلى على الأدنى ، فما يُلَقَّى ذلك ويوفق له { إِلَّا الصَّابِرُونَ } الذين حبسوا أنفسهم على طاعة اللّه ، وعن معصيته ، وعلى أقداره المؤلمة ، وصبروا على جواذب الدنيا وشهواتها ، أن تشغلهم عن ربهم ، وأن تحول بينهم وبين ما خلقوا له ، فهؤلاء الذين يؤثرون ثواب اللّه على الدنيا الفانية .


[615]:- كذا في ب، وفي أ: نظروا.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗاۚ وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ} (80)

" وقال الذين أوتوا العلم " وهم أحبار بني إسرائيل قالوا للذين تمنوا مكانه " ويلكم ثواب الله خير " يعني الجنة . " لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون " أي لا يؤتى الأعمال الصالحة أو لا يؤتى الجنة في الآخرة إلا الصابرون على طاعة الله وجاز ضميرها لأنها المعنية بقوله : " ثواب الله " .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗاۚ وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ} (80)

ودل على جهلهم وفضل العلم الرباني وحقارة ما أوتي قارون من المال والعلم الظاهر الذي أدى إليه باتباعه قوله : { وقال الذين } وعظم الرغبة في العلم بالبناء للمفعول إشارة إلى أنه نافع بكل اعتبار وباعتبار الزهد ، وبالتعبير عن أهل الزهد به فقال : { أوتوا العلم } أي من قومه ، فشرفت أنفسُهم عن إرادة الدنيا علماً بفنائها ، زجراً لمن تمنى مثل حاله ، وشمراً إلى الآخرة لبقائها : { ويلكم } أي عجباً لكم ، أو حل بكم الشر حلولاً ، وأصل ويل ، " وي " قال الفراء : جيء بلام الجر بعدها مفتوحة مع المضمر نحو وي لك ، ووي له ، أي عجباً لك وله ، ثم خلط اللام بوي لكثرة الاستعمال حتى صارت كلام الكلمة فصار معرباً بإتمامه ثلاثياً ، فجاز أن يدخل بعدها لام أخرى في نحو ويلاً لك ، لصيرورة الأول لام الكلمة ، ثم نقل إلى باب المبتدأ فقيل : ويل لك ، وهو باق على ما كان عليه في حال النصب إذ الأصل في ويل لك : هلكت ويلاً ، أي هلاكاً فرفعوه بعد حذف الفعل نفضاً لغبار الحدوث ، وقيل : أصل ويل الدعاء بالهلاك ، ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرتضى كما استعمل لا أبا لك - وأصله الدعاء على الرجل - في الحث على الفعل ، فكأنهم قالوا : ما لنا يحل بنا الويل ؟ فأخبروهم بما ينبغي معرضين عما استحقوا به الويل من التمني ، تحقيراً لما استفزهم حتى قالوه فقالوا : { ثواب الله } أي الجليل العظيم { خير } أي من هذا الحطام ، ومن فاته الخير حل به الويل ؛ ثم بينوا مستحقه تعظيماً له وترغيباً للسامع في حاله فقالوا : { لمن آمن وعمل } أي تصديقاً لإيمانه { صالحاً } ثم بين سبحانه عظمة هذه النصيحة وعلو قدرها بقوله مؤكداً لأن أهل الدنيا ينكرون كونهم غير صابرين : { ولا يلقاها } أي لا يجعل لاقياً لهذا الكلمات أوالنصيحة التي قالها أهل العلم ، أي عاملاً بها { إلا الصابرون* } أي على قضاء ربهم في السراء والضراء ، والحاملون أنفسهم على الطاعات الذين صار الصبر لهم خلقاً ، وعبر بالجمع ترغيباً في التعاون إشارة إلى أن الدين لصعوبته لا يستقل به الواحد .