{ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج كريم .
{ إِنَّ ذَلِكَ } الذي أحيا الأرض بعد موتها { لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فقدرته تعالى لا يتعاصى عليها شيء وإن تعاصى على قدر خلقه ودق عن أفهامهم وحارت فيه عقولهم .
قوله تعالى : " فانظر إلى آثار رحمة الله " يعني المطر ، أي انظروا نظر استبصار واستدلال ، أي استدلوا بذلك على أن من قدر عليه قادر على إحياء الموتى . وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي : " آثار " بالجمع . الباقون " بالتوحيد ؛ لأنه مضاف إلى مفرد . والأثر فاعل " يحيي " ويجوز أن يكون الفاعل اسم الله عز وجل . ومن قرأ : " آثار " بالجمع فلأن رحمة الله يجوز أن يراد بها الكثرة ، كما قال تعالى : " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " {[12535]} [ إبراهيم : 34 ] . وقرأ الجحدري وأبو حيوة وغيرهما : " كيف تحيي الأرض " بتاء ، ذهب بالتأنيث إلى لفظ الرحمة ؛ لأن أثر الرحمة يقوم مقامها فكأنه هو الرحمة ، أي كيف تحيي الرحمة الأرض أو الآثار . " ويحيي " أي يحيي الله عز وجل أو المطر أو الأثر فيمن قرأ بالياء . و " كيف يحيي الأرض " في موضع نصب على الحال على الحمل على المعنى ؛ لأن اللفظ لفظ الاستفهام والحال خبر . والتقدير : فانظر إلى أثر رحمة الله محيية للأرض بعد موتها . " إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير " استدلال بالشاهد على الغائب .
ولما انكشف بذلك الغطاء ، وزاحت الشبه ، أعرض سبحانه عنهم على تقدير أن يكون " ترى " لمن فيه أهلية الرؤية{[53388]} إيذاناً بأنه{[53389]} لا فهم {[53390]}لهم ملتفتاً{[53391]} إلى خلاصة الخلق الصالح للتلقي عنه{[53392]} قائلاً مسبباً عن ذلك : { فانظر } ولما كان المراد تعظيم{[53393]} النعمة ، وأن الرزق أكثر من الخلق ، عبر بحرف الغاية{[53394]} إشارة{[53395]} إلى تأمل{[53396]} الأقصى بعد تأمل الأدنى فقال : { إلى آثار } ولما لم يكن لذلك سبب{[53397]} سوى سبق رحمته لغضبه قال : { رحمت الله } الجامع لمجامع العظمة ، وأظهر ولم يضمر تنبيهاً على ما في ذلك من{[53398]} تناهي العظمة في تنوع الزروع بعد سقيا{[53399]} الأرض واهتزازها بالنبات واخضرار الأشجار واختلاف الثمار{[53400]} ، وتكون الكل من ذلك الماء .
ولما كان هذا من الخوارق العظيمة ، ولكنه قد تكرر حتى صار مألوفاً ، نبه على عظمته بأنه أهل لأن يسأل عنه فقال : { كيف يحيي } أي هذا الأثر أو الله مرة بعد أخرى { الأرض } بإخراج ما ذكر منها .
ولما كانت قدرته على تجديد إحيائها دائمة - على ما أشار إليه المضارع {[53401]}ودعا إليه مقصود السورة{[53402]} ، أشار إلى ذلك أيضاً{[53403]} بترك الجار فقال : { بعد موتها } بانعدام ذلك .
ولما كان هذا دالاً على القدرة على إعادة الموتى ولا بد لأنه مثله سواء ، فإن جميع ما لا ينبته الآدميون يتفرق في الأرض بعد كونه هشيماً تذروه الرياح ، ويتفتت بحيث يصير تراباً ، فإذا نزل عليه الماء عاد كما كان أو أحسن قال : { إن ذلك } أي العظيم الشأن الذي قدر على هذا { لمحيي الموتى } كلها من الحيوانات والنباتات ، أي ما زال قادراً{[53404]} على ذلك{[53405]} ثابتاً له{[53406]} هذا الوصف ولا يزال { وهو } مع ذلك { على كل شيء } من ذلك وغيره { قدير* } لأن نسبة القدرة منه سبحانه إلى كل ممكن على حد سواء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.