التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{فَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ ءَاثَٰرِ رَحۡمَتِ ٱللَّهِ كَيۡفَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (50)

ثم لفت - سبحانه - أنظار الناس إلى ما يترتب على نعمة المطر من آثار عظيمة فقال : { فانظر إلى آثَارِ رَحْمَتِ الله . . . } والفاء للدلالة على سرعة الانتقال من محالة اليأس إلى الاستبشار . أى فانظر - أيها العاقل - نظرة تعقل واتعاظ واستبصار ، إلى الآثار المترتبة على نزول المطر ، وكيفي أن نزوله حول النفوس من حالة الحزن إلى حالة الفرح ، وجعل الوجوه مستبشرة بعد أن كانت عابسة يائسة .

وقوله - تعالى - : { كَيْفَ يُحْيِيِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَآ } فى محل نصب على تقدير الخافض .

أى : فانظر إلى آثار رحمة الله بعد نزول المطر ، وانظر وتأمل كيف يحيى الله - تعالى - بقدرته ، الأرض بعد موتها بأن يجعلها خضراء ويانعة ، بعد ان كانت جدباء قاحلة .

واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - { إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْييِ الموتى } يعود على الله - تعالى - . أى : إن ذلك الإِله العظيم الذى أحيا الأرض بعد موتها ، لقادر على إحياء الموتى ، إذ لا فرق بينهما بالنسبة لقدرة الله التى لا يعجزها شئ . { وَهُوَ } - سبحانه - { على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ومن جملة الأشياء المقدور عليها ، إحياء الموتى .

وهكذا يسوق القرآن الكريم الأدلة على البعث ، بأسلوب منطقى ، منتزع من واقع الناس ، ومن المشاهد التى يرونها فى حياتهم .