تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِّيَجۡزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدۡقِهِمۡ وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (24)

{ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } أي : بسبب صدقهم ، في أقوالهم ، وأحوالهم ، ومعاملتهم مع اللّه ، واستواء ظاهرهم وباطنهم ، قال اللّه تعالى : { هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } الآية .

أي : قدرنا ما قدرنا ، من هذه الفتن والمحن ، والزلازل ، ليتبين الصادق من الكاذب ، فيجزي الصادقين بصدقهم { وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ } الذين تغيرت قلوبهم وأعمالهم ، عند حلول الفتن ، ولم يفوا بما عاهدوا اللّه عليه .

{ إِنْ شَاءَ } تعذيبهم ، بأن لم يشأ هدايتهم ، بل علم أنهم لا خير فيهم ، فلم يوفقهم .

{ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } بأن يوفقهم للتوبة والإنابة ، وهذا هو الغالب ، على كرم الكريم ، ولهذا ختم الآية باسمين دالين على المغفرة ، والفضل ، والإحسان فقال : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رحيمًا } غفورًا لذنوب المسرفين على أنفسهم ، ولو أكثروا من العصيان ، إذا أتوا بالمتاب . { رَحِيمًا } بهم ، حيث وفقهم للتوبة ، ثم قبلها منهم ، وستر عليهم ما اجترحوه .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لِّيَجۡزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدۡقِهِمۡ وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (24)

" ليجزي الله الصادقين بصدقهم " أي أمر الله بالجهاد ليجزي الصادقين في الآخرة بصدقهم . " ويعذب المنافقين " في الآخرة " إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما " أي إن شاء أن يعذبهم لم يوفقهم للتوبة ، لأن لم يشأ أن يعذبهم تاب عليهم قبل الموت . " إن الله كان غفورا رحيما "

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لِّيَجۡزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدۡقِهِمۡ وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (24)

ولما كان كأنه قيل : قد فهم من سياق هذه القصة أن القصد الإقبال عليه سبحانه ، وقطع جميع العلائق من غيره ، لأنه قادر على كل شيء ، فهو يكفي{[55401]} من أقبل عليه كل مهم وإن كان في غاية العجز عنه ، تارة بسبب ظاهر ، وتارة بغيره ، فما {[55402]}له لم يحكم{[55403]} بالاتفاق على كلمة السلام ، لتحصل الراحة من هذا العناء كله ، فأجيب بأن هذا لتظهر{[55404]} صفة العز والعظمة والعدل وغيرها ظهوراً تاماً إلى غير ذلك من حكم ينكشف عنها الحجاب ، وترفع لتجليها غاية التجلي ستور الأسباب ، فقال تعالى معلقاً بقوله : { جاءتكم جنود } : { ليجزي الله } أي الذي يريد إظهار جميع صفاته يوم البعث للخاص والعام ظهوراً تاماً { الصادقين } في ادعاء أنهم آمنوا به { بصدقهم } فيعلي أمرهم في الدنيا وينعمهم في الأخرى ، فالصدق سبب وإن كان فضلاً منه لأنه الموفق له { ويعذب المنافقين } في الدارين بكذبهم في دعواهم{[55405]} الإيمان المقتضي لبيع{[55406]} النفس والمال { إن شاء } يعذبهم على النفاق { أو يتوب عليهم } أي{[55407]} بما يرون من صدقه سبحانه في إعزاز أوليائه وإذلال أعدائه بقدرته التامة حيث كانوا قاطعين بخلاف ذلك .

ولما كانت توبة المنافقين مستعبدة لما يرون من صلابتهم في الخداع وخبث سرائرهم ، قال معللاً ذلك كله على وجه التأكيد : { إن الله } أي بما له من الجلال والجمال { كان } أزلاً وأبداً { غفوراً رحيماً } يستر الذنب وينعم على صاحبه بالكرامة ، أما في الإثابة لكل فالرحمة عامة ، وأما في تعذيب المنافق فيخص الصادقين ، لأن عذاب أعدائهم من أعظم نعيمهم ، وفي حكمه بالعدل عموم الرحمة{[55408]} أيضاً ، فهو لا يعذب أحداً فوق ما يستحق .


[55401]:زيد في الأصل: كل.
[55402]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لهم يحكم.
[55403]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لهم يحكم.
[55404]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: ليظهر.
[55405]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: دعوى.
[55406]:زيد من ظ وم ومد.
[55407]:سقط من ظ.
[55408]:في ظ ومد: للرحمة.