تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا} (26)

{ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ } أي عاونوهم { مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } أي : اليهود { مِنْ صَيَاصِيهِمْ } أي : أنزلهم من حصونهم ، نزولاً مظفورًا بهم ، مجعولين تحت حكم الإسلام .

{ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } فلم يقووا على القتال ، بل استسلموا وخضعوا وذلوا . { فَرِيقًا تَقْتُلُونَ } وهم الرجال المقاتلون { وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا } مَنْ عداهم من النساء والصبيان .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا} (26)

قوله تعالى : " وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم " يعني الذين عاونوا الأحزاب : قريشا وغطفان وهم بنو قريظة وقد مضى خبرهم " من صياصيهم " أي حصونهم واحدها صيصة . قال الشاعر :

فأصبحتِ الثيرانُ صرعى وأصبحت*** نساءُ تميمٍ يَبْتَدِرْنَ الصَّيَاصِيَا{[12786]}

ومنه قيل لشوكة الحائك التي بها يسوَّى السداة واللحمة : صيصة . قال ، دريد بن الصمة :

فجئتُ إليه والرِّمَاحُ تَنُوشُهُ *** كوقْعِ الصَّياصِي في النسيج المُمَدَّدِ

ومنه : صيصة الديك التي في رجله . وصياصي البقر قرونها ؛ لأنها تمتنع بها . وربما كانت ، تركب في ، الرماح مكان الأسنة ، ويقال : جذ الله صئصئه ، أي أصله " وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون " وهم الرجال . " وتأسرون فريقا " وهم النساء والذرية ، على ما تقدم .


[12786]:البيت لعبد بني الحسحاس، وقد أورده صاحب اللسان شاهدا على أن صياصي البقر قرونها، وروايته في البيت: فأصبحت الثيران غرقى وأصبحت *** نساء تميم يلتقطن الصياصيا أي يلتقطن القرون لينسجن بها، يريد لكثرة المطر غرق الوحش.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا} (26)

ولما أتم{[55423]} أمر الأحزاب ، أتبعه حال الذين ألّبوهم{[55424]} ، وكانوا سبباً في إتيانهم كحيي بن أخطب والذين مالأوهم على ذلك ، ونقضوا ما كان لهم من عهد ، فقال : { وأنزل الذين ظاهروهم } أي عاونوا الأحزاب ، ثم بينهم بقوله مبعضاً{[55425]} : { من أهل الكتاب } وهم بنو قريظة ومن دخل معهم في حصنهم من بني النضير كحيي ، وكان ذلك بعد إخراج بني قينقاع وبني النضير { من صياصيهم } أي حصونهم العالية ، جمع صيصية وهي كل ما يتمنع به من قرون البقر وغيرها مما شبه بها من الحصون .

ولما كان الإنزال من محل التمنع{[55426]} عجباً ، وكان على وجوه شتى ، فلم يكن صريحاً في الإذلال ، فتشوفت النفس إلى بيان حاله ، بين أنه الذل فقال عاطفاً بالواو ليصلح لما قبل ولما{[55427]} بعد : { وقذف في قلوبهم الرعب } أي بعد الإنزال كما كان قذفه قبل الإنزال ، فلو قدم القذف على الإنزال لما أفاد هذه الفوائد ، {[55428]}ولا اشتدت ملاءمة{[55429]} ما بعده للإنزال .

ولما ذكر ما أذلهم به ، ذكر ما تأثر{[55430]} عنه مقسماً له فقال : { فريقاً } فذكره بلفظ الفرقة ونصبه ليدل بادئ بدء على أنه طوع لأيدي الفاعلين : { تقتلون } وهم الرجال ، وكان نحو سبعمائة . ولما بدأ بما دل على التقسيم{[55431]} مما منه الفرقة ، وقد أعظم الأثرين الناشئين عن الرعب ، أولاه الأثر الآخر ليصير الأثران المحبوبان محتوشين بما يدل على الفرقة فقال : { وتأسرون فريقاً } وهم الذراري والنساء ، ولعله أخر الفريق هنا ليفيد التخيير في أمرهم ، وقدم في الرجال لتحتم القتل فيهم .


[55423]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تم.
[55424]:في الأصل: أبوهم، وفي ظ وم ومد: اللبوهم ـ كذا بفك الإدغام.
[55425]:سقط من مد.
[55426]:من م ومد، وفي الأصل وظ: التمتع.
[55427]:في ظ ومد: ما.
[55428]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: اشتد ملا ـ كذا.
[55429]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: اشتد ملا ـ كذا.
[55430]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تؤثر.
[55431]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: النقيم.