لما ذكر تعالى أنه آتى نبيه داود الفصل في الخطاب بين الناس ، وكان معروفا بذلك مقصودا ، ذكر تعالى نبأ خصمين اختصما عنده في قضية جعلهما اللّه فتنة لداود ، وموعظة لخلل ارتكبه ، فتاب اللّه عليه ، وغفر له ، وقيض له هذه القضية ، فقال لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ } فإنه نبأ عجيب { إِذْ تَسَوَّرُوا } على داود { الْمِحْرَابَ } أي : محل عبادته من غير إذن ولا استئذان ، ولم يدخلوا عليه مع باب .
الأولى- قوله تعالى : " وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب " " الخصم " يقع على الواحد والاثنين والجماعة ؛ لأن أصله المصدر . قال الشاعر :
وخَصْمٌ غِضَابٌ ينفُضُون لحاهُمُ *** كنفضِ البَرَاذِينِ العِرابِ المَخَالِيَا
النحاس : ولا خلاف بين أهل التفسير أنه يراد به ها هنا ملكان . وقيل : " تسوروا " وإن كان اثنين حملا على الخصم ، إذ كان بلفظ الجمع ومضارعا له ، مثل الركب والصحب . تقديره للاثنين ذوا خصم وللجماعة ذوو خصم . ومعنى : " تسوروا المحراب " أتوه من أعلى سوره . يقال : تسور الحائط تسلقه ، والسور حائط المدينة وهو بغير همز ، وكذلك السور جمع سورة مثل بسرة وبسر وهي كل منزلة من البناء . ومنه سورة القرآن ؛ لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى . وقد مضى في مقدمة الكتاب بيان هذا . وقول النابغة :
ألم تر أن الله أعطاك سُورَةً *** تَرَى كلَّ مَلْكٍ دونَهَا يتذَبْذَبُ
يريد شرفا ومنزلة . فأما السؤر بالهمز فهو بقية الطعام في الإناء . ابن العربي : والسؤر الوليمة بالفارسي . وفي الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب : ( إن جابرا قد صنع لكم سؤرا فحيهلا بكم ) . والمحراب هنا الغرفة ؛ لأنهم تسوروا عليه فيها . قاله يحيى بن سلام . وقال أبو عبيدة : إنه صدر المجلس ، ومنه محراب المسجد . وقد مضى القول فيه في غير موضع .
ولما كان السياق للتدريب على الصبر والتثبيت الشافي والتدبر التام والابتلاء لأهل القرب ، وكان المظنون بمن أوتي فصل الخطاب أن لا يقع له لبس في حكم ولا عجلة في أمر ، وكان التقدير : هل أتتك هذه الأنباء ، عطف عليه - مبيناً عواقب العجلة معلماً أن على من أعطى المعارف أن لا يزال ناظراً إلى من أعطاه ذلك سائلاً له التفهيم ، استعجازاً لنفسه متصوراً لمقام العبودية التي كرر التنبيه عليها في هذه السورة بنحو قوله : " نعم العبد " قوله في سياق ظاهره الاستفهام وباطنه التنبيه على ما في ذلك من الغرابة والعجب لتعظم الرغبة في سماعه فيوغي حق الوعي ( وهل اتاك نبأ الخصم ) أي خبره العظيم جداً ، وأفرده وإن كان المراد الجمع دلالة على أنهم على كلمة واحدة في إظهار الخصومة لا يظهر لأحد منهم أنه متوسط مثلاً ونحو ذلك .
ولما كان الخصم مصدراً يقع على الواحد فما فوقه ذكراً كان أو أنثى ، وكان يصح تسمية ربقة المتخاصمين خصماً لأنهم في صورة الخصم قال : { إذا } أي خبر تخاصمهم حين { تسوروا } أي صعدوا السور ونزلوا من هم ومن معهم ، آخذاً من السور وهو الوثوب { المحراب * } أي أشرف ما في موضع العبادة الذي كان داود عليه السلام به ، وهو كناية عن أنهم جاؤوه في يوم العبادة ومن غير الباب ، فخالفوا عادة الناس في الأمرين ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.