تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (170)

ومع هذا { فرحين بما آتاهم الله من فضله } أي : مغتبطين بذلك ، قد قرت به عيونهم ، وفرحت به نفوسهم ، وذلك لحسنه وكثرته ، وعظمته ، وكمال اللذة في الوصول إليه ، وعدم المنغص ، فجمع الله لهم بين نعيم البدن بالرزق ، ونعيم القلب والروح بالفرح بما آتاهم من فضله : فتم لهم{[174]}  النعيم والسرور ، وجعلوا { يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } أي : يبشر بعضهم بعضا ، بوصول إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم ، وأنهم سينالون ما نالوا ، { ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون } أي : يستبشرون بزوال المحذور عنهم وعن إخوانهم المستلزم كمال السرور


[174]:- في النسختين: فتم له.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (170)

121

ويخبرنا كذلك بما لهم من خصائص الحياة الأخرى :

( فرحين بما آتاهم الله من فضله ) . .

فهم يستقبلون رزق الله بالفرح ؛ لأنهم يدركون أنه " من فضله " عليهم . فهو دليل رضاه وهم قد قتلوا في سبيل الله . فأي شيء يفرحهم إذن أكثر من رزقه الذي يتمثل فيه رضاه ؟

ثم هم مشغولون بمن وراءهم من إخوانهم ؛ وهم مستبشرون لهم ؛ لما علموه من رضى الله عن المؤمنين المجاهدين :

( ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) . ( يستبشرون بنعمة من الله وفضل ، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ) .

إنهم لم ينفصلوا من إخوانهم ( الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ) ولم تنقطع بهم صلاتهم . إنهم " أحياء " كذلك معهم ، مستبشرون بما لهم في الدنيا والآخرة . موضع استبشارهم لهم : ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون . .

/خ179

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (170)

قولُه : { فرحين } حال من ضمير { يرزقون } .

والاستبشار : حصول البشارة ، فالسين والتاء فيه كما هما في قوله تعالى : { واستغنى اللَّه } [ التغابن : 6 ] وقد جمع اللَّهُ لهم بين المسرّة بأنفسهم والمسرّة بمن بقي من إخوانهم ، لأنّ في بقائهم نكاية لأعدائهم ، وهم مع حصول فضل الشهادة لهم على أيدي الأعداء يتمنّون هلاك أعدائهم ، لأنّ في هلاكهم تحقيق أمنية أخرى لهم وهي أمنية نصر الدين .

فالمراد { بالذين لم يلحقوا بهم } رفقاؤهم الذين كانوا يجاهدون معهم ، ومعنى لم يلحقوا بهم لم يستشهدوا فيصيروا إلى الحياة الآخرة .

و { من خلفهم } تمثيل بمعنى من بعدهم ، والتقدير : ويستبشرون بالذين لم يصيروا إلى الدار الآخرة مِن رفاقهم بأَمْنِهم وانتفاءِ ما يُحْزنهم . وقوله : { ألا خوف عليهم } بدل اشتمال ، و ( لا ) عاملة عمل ليس ومفيدة معناها ، ولم يُبن اسم ( لا ) على الفتح هنا لظهور أنّ المقصود نفي الجنس ولا احتمال لنفي الوحدة فلا حاجة لبناء النكرة على الفتح ، وهو كقول إحدى نساء حديث أمّ زرع : « زوجي كلَيْلِ نِهَامَة ، لا حرٌّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سَآمَهْ » برفع الأسماء النكرات الثلاثة .

وفي هذا دلالة على أنّ أرواح هؤلاء الشهداء مُنحت الكشفَ على ما يسرّها من أحوال الذين يهمّهم شأنهم في الدنيا . وأنّ هذا الكشف ثابت لجميع الشهداء في سبيل الله ، وقد يكون خاصّاً الأحوال السارّة لأنّها لذّة لها . وقد يكون عامّاً لِجميع الأحوال لأنّ لذّة الأرواح تحصل بالمعرفة ، على أنّ الإمام الرازي حَصَر اللذّة الحقيقية في المعارف . وهي لذّة الحكماء بمعرفة حقائق الأشياء ، ولو كانت سيئة .

وفي الآية بشارة لأصحاب أُحُد بأنّهم لا تلحقهم نكبة بعد ذلك اليوم .