تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأۡكُلَ مِنۡهَا وَتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعۡلَمَ أَن قَدۡ صَدَقۡتَنَا وَنَكُونَ عَلَيۡهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (113)

فأخبر الحواريون أنهم ليس مقصودهم هذا المعنى ، وإنما لهم مقاصد صالحة ، ولأجل الحاجة إلى ذلك ف { قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا } وهذا دليل على أنهم محتاجون لها ، { وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا } بالإيمان حين نرى الآيات العيانية ، فيكون{[284]}  الإيمان عين اليقين ، كما كان قبل ذلك علم اليقين . كما سأل الخليل عليه الصلاة والسلام ربه أن يريه كيف يحيي الموتى { قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } فالعبد محتاج إلى زيادة العلم واليقين والإيمان كل وقت ، ولهذا قال : { وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا } أي : نعلم صدق ما جئت به ، أنه حق وصدق ، { وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ } فتكون مصلحة لمن بعدنا ، نشهدها لك ، فتقوم الحجة ، ويحصل زيادة البرهان بذلك .


[284]:- في ب: حتى يكون.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأۡكُلَ مِنۡهَا وَتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعۡلَمَ أَن قَدۡ صَدَقۡتَنَا وَنَكُونَ عَلَيۡهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (113)

ولكن الحواريين كرروا الطلب ، معلنين عن علته وأسبابه وما يرجون من ورائه :

( قالوا : نريد أن نأكل منها ، وتطمئن قلوبنا ، ونعلم أن قد صدقتنا ، ونكون عليها من الشاهدين ) .

فهم يريدون أن يأكلوا من هذا الطعام الفريد الذي لا نظير له عند أهل الأرض . وتطمئن قلوبهم برؤية هذه الخارقة وهي تتحقق أمام أعينهم ؛ ويستيقنوا أن عيسى عليه السلام قد صدقهم ، ثم يكونوا شهودا لدى بقية قومهم على وقوع هذه المعجزة .

وكلها أسباب كما قلنا تصور مستوى معينا دون مستوى أصحاب محمد [ ص ] فهؤلاء طراز آخر بالموازنة مع هذا الطراز !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأۡكُلَ مِنۡهَا وَتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعۡلَمَ أَن قَدۡ صَدَقۡتَنَا وَنَكُونَ عَلَيۡهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (113)

أجابوه عن ذلك بأنّهم ما أرادوا ذلك لضعف في إيمانهم إنّما أرادوا التيمّن بأكل طعام نزل من عند الله إكراماً لهم ، ولذلك زادوا { منها } ولم يقتصروا على { أن نأكل } إذ ليس غرضهم من الأكل دفع الجوع بل الغرض التشرّف بأكل من شيء نازل من السماء .

وهذا مثل أكل أبي بكر من الطعام الذي أكَل منه ضيفه في بيته حين انتظروه بالعشاء إلى أن ذهب جزء من الليل ، وحضر أبو بكر وغضب من تركهم الطعام ، فلمّا أخذوا يطعمون جعل الطعام يربو فقال أبو بكر لزوجه : ما هذا يا أختَ بني فِراس . وحمل من الغد بعض ذلك الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل منه .

ولذلك قال الحواريّون : { وتطمئنّ قلوبنا } أي بمشاهدة هذه المعجزة فإنّ الدليل الحسي أظهر في النفس ، { ونعلم أن قد صدقتنا } ، أي نعلم علم ضرورة لا علم استدلال فيحصل لهم العلمان ، { ونكون عليها من الشاهدين } ، أي من الشاهدين على رؤية هذه المعجزة فنبلّغها من لم يشهدها . فهذه أربع فوائد لسؤال إنزال المائدة ، كلّها درجات من الفضل الذي يرغب فيه أمثالهم .

وتقديم الجارّ والمجرور في قوله { عليها من الشاهدين } للرعاية على الفاصلة .