{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
أي : واذكر إبراهيم وإسماعيل ، في حالة رفعهما القواعد من البيت الأساس ، واستمرارهما على هذا العمل العظيم ، وكيف كانت حالهما من الخوف والرجاء ، حتى إنهما مع هذا العمل دعوا الله أن يتقبل منهما عملهما ، حتى يحصل{[99]} فيه النفع العميم .
ثم يرسم مشهد تنفيذ إبراهيم وإسماعيل للأمر الذي تلقياه من ربهما بإعداد البيت وتطهيره للطائفين والعاكفين والركع السجود . . يرسمه مشهودا كما لو كانت الأعين تراهما اللحظة وتسمعهما في آن :
( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . ربنا واجعلنا مسلمين لك ، ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ، وأرنا مناسكنا وتب علينا ، إنك أنت التواب الرحيم . ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ، ويزكيهم ، إنك أنت العزيز الحكيم ) . . إن التعبير يبدأ بصيغة الخبر . . حكاية تحكى :
( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) . .
وبينما نحن في انتظار بقية الخبر ، إذا بالسياق يكشف لنا عنهما ، ويرينا إياهما ، كما لو كانت رؤية العين لا رؤيا الخيال . إنهما أمامنا حاضران ، نكاد نسمع صوتيهما يبتهلان :
( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم . . ربنا . . )
فنغمة الدعاء ، وموسيقى الدعاء ، وجو الدعاء . . كلها حاضرة كأنها تقع اللحظة حية شاخصة متحركة . . وتلك إحدى خصائص التعبير القرآني الجميل . رد المشهد الغائب الذاهب ، حاضرا يسمع ويرى ، ويتحرك ويشخص ، وتفيض منه الحياة . . إنها خصيصة " التصوير الفني " بمعناه الصادق ، اللائق بالكتاب الخالد .
وماذا في ثنايا الدعاء ؟ إنه أدب النبوة ، وإيمان النبوة ، وشعور النبوة بقيمة العقيدة في هذا الوجود . وهو الأدب والإيمان والشعور الذي يريد القرآن أن يعلمه لورثة الأنبياء ، وأن يعمقه في قلوبهم ومشاعرهم بهذا الإيحاء :
( ربنا تقبل منا . إنك أنت السميع العليم ) . .
إنه طلب القبول . . هذه هي الغاية . . فهو عمل خالص لله . الاتجاه به في قنوت وخشوع إلى الله . والغاية المرتجاة من ورائه هي الرضى والقبول . . والرجاء في قبوله متعلق بأن الله سميع للدعاء . عليهم بما وراءه من النية والشعور .
{ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } حكاية حال ماضية ، و{ القواعد } جمع قاعدة وهي الأساس صفة غالبة من القعود ، بمعنى الثبات ، ولعله مجاز من المقابل للقيام ، ومنه قعدك الله ، ورفعها البناء عليها فإنه ينقلها عن هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع ، ويحتمل أن يراد بها سافات البناء فإن كل ساف قاعدة ما يوضع فوقه ويرفعها بناؤها . وقيل المراد رفع مكانته وإظهار شرفه بتعظيمه ، ودعاء الناس إلى حجه ، وفي إبهام القواعد وتبيينها تفخيم لشأنها . { وإسماعيل } كان يتناوله الحجارة ، ولكنه لما كان له مدخل في البناء عطف عليه . وقيل : كانا يبنيان في طرفين ، أو على التناوب . { ربنا تقبل منا } أي يقولان ربنا تقبل منا ، وقد قرئ به والجملة حال منهما . { إنك أنت السميع } لدعائنا { العليم } بنياتنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.