ف { مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ ْ } أي : ما ينبغي ولا يليق ، لأن ذلك من الأمور المستحيلة ، لأنه الغني الحميد ، المالك لجميع الممالك ، فكيف يتخذ من عباده ومماليكه ، ولدا ؟ ! { سُبْحَانَهُ ْ } أي : تنزه وتقدس عن الولد والنقص ، { إِذَا قَضَى أَمْرًا ْ } أي : من الأمور الصغار والكبار ، لم يمتنع ، عليه ولم يستصعب { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ْ } فإذا كان قدره ومشيئته نافذا في العالم العلوي والسفلي ، فكيف يكون له ولد ؟ " . وإذا كان إذا أراد شيئا قال له : { كُن فَيَكُونُ ْ } فكيف يستبعد إيجاده عيسى من غير أب ؟ ! .
يقولها لسانه ويقولها الحال في قصته : ( ما كان لله أن يتخذ من ولد )تعالى وتنزه فليس من شأنه أن يتخذ ولدا . والولد إنما يتخذه الفانون للامتداد ، ويتخذه الضعاف للنصرة . والله باق لا يخشى فناء ، قادر لا يحتاج معينا . والكائنات كلها توجد بكلمة كن . وإذا قضى أمرا فإنما يقول له : كن فيكون . . فما يريد تحقيقه يحققه بتوجه الإرادة لا بالولد والمعين .
ولما ذكر تعالى أنه خلقه عبدًا نبيًّا ، نزه نفسه المقدسة فقال : { مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ } أي : عما يقول هؤلاء الجاهلون الظالمون المعتدون علوًّا كبيرًا ، { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } أي : إذا أراد شيئًا فإنما يأمر به ، فيصير{[18817]} كما يشاء ، كما قال تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } [ آل عمران : 59 ، 60 ] .
{ مَا كَانَ للّهِ أَن يَتّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىَ أَمْراً فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ * وَإِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هََذَا صِرَاطٌ مّسْتَقِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : لقد كفرت الذين قالوا : إن عيسى ابن الله ، وأعظموا الفِرْية عليه ، فما ينبغي لله أن يتخذ ولدا ، ولا يصلح ذلك له ولا يكون ، بل كلّ شيء دونه فخلقه ، وذلك نظير قول عمرو بن أحمر :
في رأسِ خَلْقاءَ مِنْ عَنْقاءَ مُشْرِفَةٍ *** لا يُبْتَغَى دُوَنها سَهْلٌ وَلا جَبَلُ
وأن من قوله أنْ يَتّخِذَ في موضع رفع بكان . وقوله : سُبْحانَهُ يقول : تنزيها لله وتبرئة له أن يكون له ما أضاف إليه الكافرون القائلون : عيسى ابن الله . وقوله : إذَا قَضَى أمْرا فإنّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يقول جل ثناؤه : إنما ابتدأ الله خلق عيسى ابتداء ، وأنشأه إنشاء ، من غير فحل افتحل أمه ، ولكنه قال له : كُنْ فَيَكُونُ لأنه كذلك يبتدع الأشياء ويخترعها ، إنما يقول ، إذا قضى خلق شيء أو إنشاءه : كن فيكون موجودا حادثا ، لا يعظم عليه خلقه ، لأنه لا يخلقه بمعاناة وكلفة ، ولا ينشئه بمعالجة وشدّة .
وقوله { ما كان لله أن يتخذ } معناه النفي وهذا هو معنى هذه الألفاظ حيث وقعت ثم يضاف الى ذلك بحسب حال المذكور فيها إما نهي وزجر كقوله تعالى : { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا }{[7960]} [ التوبة : 120 ] وإما تعجيز كقوله تعالى { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها }{[7961]} [ النمل : 60 ] ، وإما تنزيه كهذه الآية . و { من ولد } ، دخلت { من } مؤكدة للجحد لنفي الواحد فما فوقه مما يحتله نظير هذه العبارة إذا لم تدخل { من } ، وقوله ، { قضى أمراً } ، أي واحداً من الأمور وليس بمصدر أمر يأمر ، فمعنى { قضى } أوجد أو أخرج من العدم ، وهذه التصاريف في هذه الأفعال من مضي واستقبال هي بحسب تجوز العرب واتساعها ، وقد تقدم القول في { كن فيكون }{[7962]} . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع «وأن الله » بفتح الألف وذلك عطف على قوله هذا { قول الحق } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.