ذلك فضلا على وضوح الخدعة : ( أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ، ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ? )والمقصود أنه حتى لم يكن عجلا حيا يسمع قولهم ويستجيب له على عادة العجول البقرية ! فهو في درجة أقل من درجة الحيوانية . وهو بطبيعة الحال لا يملك لهم ضرا ولا نفعا في أبسط صورة . فهو لا ينطح ولا يرفس ولا يدير طاحونة ولا ساقية !
قال الله تعالى ردًّا عليهم ، وتقريعًا لهم ، وبيانًا لفضيحتهم وسخافة عقولهم فيما ذهبوا إليه : { أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا } أي : العجل { أَفَلا يَرَوْنَ } أنه لا يجيبهم إذا سألوه ، ولا إذا خاطبوه ، { وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا } أي : في دنياهم ولا في أخراهم .
قال ابن عباس رضي الله عنه{[19474]} لا والله ما كان خواره إلا أن يدخل الريح في دبره فيخرج فيه ، فيسمع له صوت .
وقد تقدم في متون الحديث{[19475]} عن الحسن البصري : أن هذا العجل اسمه بهموت .
وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط ، فألقوها عنهم ، وعبدوا العجل . فتورعوا عن الحقير وفعلوا الأمر الكبير ، كما جاء في الحديث الصحيح عن ابن عمر : أنه سأله رجل من أهل العراق عن دم البعوض إذا أصاب الثوب - يعني : هل يصلي فيه أم لا ؟ - فقال ابن عمر ، رضي الله عنه :{[19476]} انظروا إلى أهل العراق ، قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني : الحسين - وهم يسألون عن دم البعوض ؟{[19477]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً * وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَقَوْمِ إِنّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنّ رَبّكُمُ الرّحْمََنُ فَاتّبِعُونِي وَأَطِيعُوَاْ أَمْرِي * قَالُواْ لَن نّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتّىَ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىَ } .
يقول تعالى ذكره موبخا عَبَدة العجل ، والقائلين له هَذَا إلهُكُمْ وَإلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ، وعابهم بذلك ، وسفّه أحلامهم بما فعلوا ونالوا منه : أفلا يرون أن العجل الذي زعموا أنه إلهكم وإله موسى لا يكلمهم ، وإن كلّموه لم يردّ عليهم جوابا ، ولا يقدر على ضرّ ولا نفع ، فكيف يكون ما كانت هذه صفته إلها ؟ كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم . قال : حدثنا عيسى «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد لا يَرْجِعُ إلَيْهمْ قَوْلاً العجل .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد " أفَلا يَرَوْنَ ألاّ يَرجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلاً " قال : العجل .
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله : " أفَلا يَرَوْنَ ألاّ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ " ذلك العجل الذي اتخذوه قولاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّا وَلا نَفْعا .
ثم قرن تعالى مواضع خطأهم بقوله تعالى : { أفلا يرون } المعنى أفلم يتبين هؤلاء الذين ضلوا أن هذا العجل إنما هو جماد لا يتكلم ولا يرجع قولاً ولا يضر ولا ينفع ، وهذه خلال لا يخفى معها الحدوث والعجز لا أن هذه الخلال لو حصلت له أوجبت كونه إلهاً وقرأت فرقة «أن لا يرجعُ » برفع العين ، «وأن » على هذه القراءة المخففة من الثقيلة والتقدير أنه لا يرجع ، وقرأت فرقة «أن لا يرجع »{[8148]} «وأن » على هذه القراءة هي الناصبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.