مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَفَلَا يَرَوۡنَ أَلَّا يَرۡجِعُ إِلَيۡهِمۡ قَوۡلٗا وَلَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا} (89)

ثم إنه سبحانه بين المعنى الذي يجب الاستدلال به وهو قوله : { أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا } أي لم يخطر ببالهم أن من لا يتكلم ولا يضر ولا ينفع لا يكون إلها ولا يكون للإله تعلق به في الحالية والمحلية . الوجه الثاني : أن هذا قول السامري وصف به موسى عليه السلام والمعنى أن هذا إلهكم وإله موسى فنسي موسى أن هذا هو الإله فذهب يطلبه في موضع آخر وهو قول الأكثرين . الوجه الثالث : فنسي وقت الموعد في الرجوع أما قوله : { ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا } فهذا استدلال على عدم إلهيتها بأنها لا تتكلم ولا تنفع ولا تضر وهذا يدل على أن الإله لا بد وأن يكون موصوفا بهذه الصفات وهو كقوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام :{ لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا } وإن موسى عليه السلام في أكثر الأمر لا يعول إلا على دلائل إبراهيم عليه السلام بقي ههنا بحثان .

البحث الأول : قال الزجاج : الاختيار أن لا يرجع بالرفع بمعنى أنه لا يرجع وهذا كقوله : { وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا } بمعنى أنه لا تكون وقرئ بالنصب أيضا على أن أن هذه هي الناصبة للأفعال .

البحث الثاني : هذه الآية تدل على وجوب النظر في معرفة الله تعالى وقال في آية أخرى : { ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا } وهو قريب في المعنى من قوله في ذم عبدة الأصنام : { ألهم أرجل يمشون بها } وليس المقصود من هذا أن العجل لو كان يكلمهم لكان إلها لأن الشيء يجوز أن يكون مشروطا بشروط كثيرة ففوات واحد منها يقتضي فوات المشروط ، ولكن حصول الواحد فيها لا يقتضي حصول المشروط . الثالث : قال بعض اليهود لعلي عليه السلام : ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم ؟ فقال : إنما اختلفنا عنه وما اختلفنا فيه ، وأنتم ما جفت أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم لنبيكم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ؟