والفوج الثاني من آيات الخلق والنعمة :
( هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ، ومنه شجر فيه تسيمون ، ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ، ومن كل الثمرات . إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) . .
والماء ينزل من السماء وفق النواميس التي خلقها الله في هذا الكون ، والتي تدبر حركاته ، وتنشيء نتائجها وفق إرادة الخالق وتدبيره ، بقدر خاص من أقداره ينشيء كل حركة وكل نتيجة . هذا الماء يذكر هنا نعمة من نعم الله ( لكم منه شراب )فهي خصوصية الشراب التي تبرز في هذا المجال ثم خصوصية المرعى ( ومنه شجر فيه تسيمون )وهي المراعي التي تربون فيها السوائم . ذلك بمناسبة ذكر الأنعام قبلها وتنسيقا للجو العام بين المراعي والأنعام .
لما{[16347]} ذكر سبحانه ما أنعم به عليهم من الأنعام والدواب ، شرع في ذكر نعمته عليهم ، في إنزال{[16348]} المطر من السماء - وهو العلو - مما لهم فيه بُلْغَة ومتاع لهم ولأنعامهم ، فقال : { لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ } أي : جعله عذبًا زلالا يسوغ لكم شرابه ، ولم يجعله ملحا أجاجا .
{ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } أي : وأخرج لكم به شجرًا ترعون فيه أنعامكم . كما قال ابن عباس ، وعكرمة والضحاك ، وقتادة وابن زيد ، في قوله : { فِيهِ تُسِيمُونَ } أي : ترعون .
ومنه الإبل السائمة ، والسوم : الرعي .
وروى ابن ماجه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السوم قبل طلوع الشمس{[16349]} .
{ هُوَ الّذِي أَنْزَلَ مِنَ السّمَاءِ مَآءً لّكُم مّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : والذي أنعم عليكم هذه النعم وخلق لكم الأنعام والخيل وسائر البهائم لمنافعكم ومصالحكم ، هو الربّ الذي أنزل من السماء ماء ، يعني : مطرا لكم من ذلك الماء شراب تشربونه ومنه شراب أشجاركم وحياة غروسكم ونباتها . فِيهِ تُسِيمُونَ يقول : في الشجر الذي ينبت من الماء الذي أنزل من السماء تسيمون ، يعني ترعون ، يقال منه : أسام فلان إبله يسيمها إسامة إذا أرعاها ، وسوّمها أيضا يسوّمها ، وسامت هي إذا رعت ، فهي تسوم ، وهي إبل سائمة ومن ذلك قيل للمواشي المطلقة في الفلاة وغيرها للرعي سائمة . وقد وجّه بعضهم معنى السوم في البيع إلى أنه من هذا ، وأنه ذهاب كلّ واحد من المتبايعين فيما ينبغي له من زيادة ثمن ونقصانه ، كما تذهب سوائم المواشي حيث شاءت من مراعيها ومنه قول الأعشى :
وَمَشَى القَوْمُ بالعمادِ إلى المَرْ *** عَى وأعْيا المُسِيمَ أيْنَ المَساقُ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن النضْر بن عربي ، عن عكرمة : وَمِنْهُ شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ قال : ترعون .
حدثنا أحمد بن سهيل الواسطي ، قال : حدثنا قرة بن عيسى ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة ، في قوله : فيهِ تُسيمُونَ قال : ترعون .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ترعون .
حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَمِنْهُ شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ يقول : يرعون فيه أنعامهم وشَاءَهُمْ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : فيهِ تُسيمُونَ قال : ترعون .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا معاوية وأبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك : فيه ترعون .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، عن الضحاك ، في قوله : تُسيمُونَ يقول : ترعون أنعامكم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن طلحة بن أبي طلحة القناد ، قال : سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزي ، قال : فيه ترعون .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ يقول : ترعون .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : ترعون .
حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا سليمان ، قال : حدثنا أبو هلال ، عن قتادة في قول الله : شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ قال : تَرْعون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَمِنْهُ شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ قال : تَرْعون . قال : الإسامة : الرّعية .
مثلَ ابنِ بَزْعَةَ أو كآخَرَ مِثْلِهِ *** أوْلى لَكَ ابنَ مُسِيمةِ الأجْمالِ
{ هو الذي أنزل من السماء } من السحاب أو من جانب السماء . { ماء لكم منه شرابٌ } ما تشربونه ، { ولكم } صلة { أنزل } أو خبر { شراب } و{ من } تبعيضية متعلقة به ، وتقديمها يوهم حصر المشروب فيه ولا بأس به لأن مياه العيون والآبار منه لقوله : { فسلكه ينابيع } وقوله : { فأسكناه في الأرض } { ومنه شجر } ومنه يكون شجر يعني الشجر الذي ترعاه المواشي . وقيل كل ما نبت على الأرض شجر قال :
يعلفها اللحم إذا عزّ الشجر *** والخيل في إطعامها اللحم ضرر
{ فيه تُسيمون } ترعون ، من سامت الماشية وأسامها صاحبها ، وأصله السومة وهي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.