تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ} (53)

{ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا } أي : تقطع المنتسبون إلى اتباع الأنبياء { أَمْرُهُمْ } أي : دينهم { بَيْنَهُمْ زُبُرًا } أي : قطعا { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ } أي : بما عندهم من العلم والدين { فَرِحُونَ } يزعمون أنهم المحقون ، وغيرهم على غير الحق ، مع أن المحق منهم ، من كان على طريق الرسل ، من أكل الطيبات ، والعمل الصالح ، وما عداهم فإنهم مبطلون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ} (53)

53

( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ، كل حزب بما لديهم فرحون . فذرهم في غمرتهم حتى حين . أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات ? بل لا يشعرون ) !

لقد مضى الرسل - صلوات الله عليهم - أمة واحدة ، ذات كلمة واحدة ، وعبادة واحدة ، ووجهة واحدة ؛ فإذا الناس من بعدهم أحزاب متنازعة لا تلتقي على منهج ولا طريق .

ويخرج التعبير القرآني المبدع هذا التنازع في صورة حسية عنيفة . لقد تنازعوا الأمر حتى مزقوه بينهم مزقا ، وقطعوه في أيديهم قطعا . ثم مضى كل حزب بالمزقة التي خرجت في يده . مضى فرحا لا يفكر في شيء ، ولا يلتفت إلى شيء ! مضى وأغلق على حسه جميع المنافذ التي تأتيه منها أية نسمة طليقة ، أو يدخل إليه منها أي شعاع مضيء ! وعاش الجميع في هذه الغمرة مذهولين مشغولين بما هم فيه ، مغمورين لا تنفذ إليهم نسمة محيية ولا شعاع منير .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ} (53)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَتَقَطّعُوَاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } .

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : زُبُرا فقرأته عامة قرّاء المدينة والعراق : زُبُرا بمعنى جمع الزّبور . فتأويل الكلام على قراءة هؤلاء : فتفرّق القوم الذين أمرهم الله من أمة الرسول عيسى بالاجتماع على الدين الواحد والملة الواحدة ، دينهم الذي أمرهم الله بلزومه زُبُرا كُتُبا ، فدان كل فريق منهم بكتاب غير الكتاب الذين دان به الفريق الاَخر ، كاليهود الذين زعموا أنهم دانوا بحكم التوراة وكذّبوا بحكم الإنجيل والقرآن ، وكالنصارى الذين دانوا بالإنجيل بزعمهم وكذّبوا بحكم الفرقان . ذكر من تأوّل ذلك كذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة زُبُرا قال : كُتُبا .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، مثله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : بَيْنَهُمْ زُبُرا قال : كُتُب الله فرّقوها قطعا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : فَتَقَطّعُوا أمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرا قال مجاهد : كُتُبهم فرّقوها قطعا .

وقال آخرون من أهل هذه القراءة : إنما معنى الكلام : فتفرّقوا دينهم بينهم كُتُبا أحدثوها يحتجّون فيها لمذاهبهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَتَقَطّعُوا أمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرا كُلّ حَزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ قال : هذا ما اختلفوا فيه من الأديان والكتب ، كلّ معجبون برأيهم ، ليس أهل هواء إلاّ وهم معجبون برأيهم وهواهم وصاحبهم الذي اخترق ذلك لهم .

وقرأ ذلك عامة قرّاء الشام : «فَتَقَطّعُوا أمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبَرا » بضم الزاء وفتح الباء ، بمعنى : فتفرّقوا أمرهم بينهم قِطَعا كزُبَر الحديد ، وذلك القِطَع منها ، واحدتها زُبْرة ، من قول الله : آتُونِي زُبَرَ الحَدِيد فصار بعضهم يهودا وبعضهم نصارى .

والقراءة التي نختار في ذلك : قراءة من قرأه بضم الزاء والباء ، لإجماع أهل التأويل في تأويل ذلك على أنه مراد به الكتب ، فذلك يبين عن صحة ما اخترنا في ذلك ، لأن الزّبُر هي الكتب ، يقال منه : زَبَرْت الكتاب : إذ كتبته .

فتأويل الكلام : فتفرّق الذين أمرهم الله بلزوم دينه من الأمم دينهم بينهم كتبا ، كما بيّنا قبل .

وقوله : كُلّ حَزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ يقول : كل فريق من تلك الأمم بما اختاروه لأنفسهم من الدين والكتب فرحون ، معجبون به ، لا يرون أن الحقّ سواه . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : كُلّ حَزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ قطعة ، وهؤلاء هم أهل الكتاب .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : كُلّ حِزْبٍ قطعة ، أهل الكتاب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ} (53)

جيء بفاء التعقيب لإفادة أن الأمم لم يتريثوا عقب تبليغ الرسل إياهم { إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } [ المؤمنون : 52 ] أن تقطعوا أمرهم بينهم فاتخذوا آلهة كثيرة فصار دينهم متقطعاً قطعاً لكل فريق صنم وعبادة خاصة به . فضمير { تقطّعوا } عائد إلى الأمم المفهوم من السياق الذين هم المقصود من قوله { وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } [ المؤمنون : 52 ] . وضمير الجمع عائد إلى أمم الرسل يدل عليه السياق .

فالكلام مسوق مساق الذم . ولذلك قد تفيد الفاء مع التعقيب معنى التفريع ، أي فتفرع على ما أمرناهم به من التوحيد أنهم أتوا بعكس المطلوب منهم فيفيد الكلام زيادة على الذم تعجيباً من حالهم . ومما يزيد معنى الذم تذييله بقوله { كل حزب بما لديهم فرحون } أي وهم ليسوا بحال من يفرح .

والتقطع أصله مطاوع قطع . واستعمل فعلاً متعدياً بمعنى قطع بقصد إفادة الشدة في حصول الفعل ، ونظيره تخوفه السير ، أي تنقصه ، وتجهمه الليل وتعرفه الزمن . فالمعنى : قطعوا أمرهم بينهم قطعاً كثيرة ، أي تفرقوا على نحل كثيرة فجعل كل فريق منهم لنفسه ديناً . ويجوز أن يجعل { تقطَّعوا } قاصراً أسند التقطع إليهم على سبيل الإبهام ثم ميز بقوله { أمرهم } كأنه قيل : تقطعوا أمراً ، فإن كثيراً من نحاة الكوفة يجوزون كون التمييز معرفة . وقد بسطنا القول في معنى { تقطعوا أمرهم بينهم } في سورة الأنبياء ( 93 ) .

والأمر هنا بمعنى الشأن والحال وما صدقه أمور دينهم .

والزبُر بضم الزاي وضم الموحدة كما قرأ به الجمهور جمع زبور وهو الكتاب . استعير اسم الكتاب للدين لأن شأن الدين أن يكون لأهله كتاب ، فيظهر أنها استعارة تهكمية إذ لم يكن لكل فريق كتاب ولكنهم اتخذوا لأنفسهم أدياناً وعقائد لو سجلت لكانت زُبُراً .

وقرأه أبو عمرو بخلاف عنه { زُبَرا } بضم الزاء وفتح الموحدة وهو جمع زُبرة بمعنى قطعة .

وجملة { كل حزب بما لديهم فرحون } تذييل لما قبله لأن التقطع يقتضي التحزب فذيل بأن كل فريق منهم فرح بدينه ، ففي الكلام صفة محذوفة ل { حزب } ، أي كل حزب منهم ، بدلالة المقام .

والفرح : شدة المسرة ، أي راضون جذلون بأنهم اتخذوا طريقتهم في الدين . والمعنى : أنهم فرحون بدينهم عن غير دليل ولا تبصر بل لمجرد العكوف على المعتاد . وذلك يومىء إليه { لديهم } المقتضي أنه متقرر بينهم من قبل ، أي بالدين الذي هو لديهم فهم لا يرضون على من خالفهم ويعادونه ، وذلك يفضي إلى التفريق والتخاذل بين الأمة الواحدة وهو خلاف مراد الله ولذلك ذيل به قوله { وإن هذه أمتكم أمة واحدة } [ المؤمنون : 52 ] . وقديماً كان التحزب مسبباً لسقوط الأديان والأمم وهو من دعوة الشيطان التي يلبس فيها الباطل في صورة الحق .

والحزب : الجماعة المجتمعون على أمر من اعتقاد أو عمل ، أو المتفقون عليه .