الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ} (53)

" فتقطعوا " أي افترقوا ، يعني الأمم ، أي جعلوا دينهم أديانا بعد ما أمروا بالاجتماع . ثم ذكر تعالى أن كلا منهم معجب برأيه وضلالته وهذا غاية الضلال .

الرابعة-هذه الآية تنظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم : ( ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ، اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة ) الحديث . خرجه أبو داود ، ورواه الترمذي وزاد : قالوا ومن هي يا رسول الله ؟ قال : ( ما أنا عليه وأصحابي ) خرجه من حديث عبد الله بن عمرو . وهذا يبين أن الافتراق المحذر منه في الآية والحديث إنما هو في أصول الدين وقواعده ؛ لأنه قد أطلق عليها مللا ، وأخبر أن التمسك بشيء من تلك الملل موجب لدخول النار . ومثل هذا لا يقال في الفروع ، فإنه لا يوجب تعديد الملل ولا عذاب النار ، قال الله تعالى : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " {[11687]} [ المائدة : 48 ] .

قوله تعالى : " زبرا " يعني كتبا وضعوها وضلالات ألفوها ، قاله ابن زيد . وقيل : إنهم فرقوا الكتب فاتبعت فرقة الصحف وفرقة التوراة وفرقة الزبور وفرقة الإنجيل ، ثم حرف الكل وبدل ، قاله قتادة . وقيل : أخذ كل فريق منهم كتابا آمن به وكفر بما سواه . و " زبرا " بضم الباء قراءة نافع ، جمع زبور . والأعمش وأبو عمرو بخلاف عنه " زبرا " بفتح الباء ، أي قطعا كقطع الحديد ، كقوله تعالى : " آتوني زبر الحديد " {[11688]} . [ الكهف : 96 ] . " كل حزب " أي فريق وملة . " بما لديهم " أي عندهم من الدين . " فرحون " أي معجبون به . وهذه الآية مثال لقريش خاطب محمدا صلى الله عليه وسلم في شأنهم متصلا بقوله : " فذرهم في غمرتهم "


[11687]:راجع ج 6 ص 210.
[11688]:راجع ج 11 ص 60.