اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ} (53)

وتقدّم { فتقطعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً } وما قيل فيها {[32982]} .

فصل

المعنى : وأن هذه ملتكم وشريعتكم التي أنتم عليها أمةً واحدةً ، أي : ملة واحدة وهي الإسلام{[32983]} . فإن قيل : لمّا كانت شرائعهم مختلفة فكيف يكون دينهم واحداً ؟

فالجواب : أنّ المراد من الدين ما لا يختلفون من أصول الدين من معرفة ذات الله وصفاته ، وأما الشرائع فإن الاختلاف فيها لا يُسمّى اختلافاً في الدين ، فكما يقال في الحائض والطاهر من النساء : إن دينهن واحد وإن افترق تكليفهما فكذا هنا {[32984]} .

وقيل : المعنى : أمرتكم بما أمرت به المرسلين من قبلكم ، وأمركم واحد {[32985]} .

{ وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فاتقون } فاحذرون ، { فتقطعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } أي : تفرقوا فصاروا فرقاً يهوداً ، ونصارى ، ومجوساً . «زُبُراً » أي : فرقاً وقطعاً مختلفة ، واحدها ( زَبُور ) ، وهو الفرقة والطائفة ، ومثلها «الزُّبْرَة » وجمعها «زُبَر »{[32986]} ومنه «زُبَرَ الحَدِيدِ »{[32987]} .

وقرأ بعض أهل الشام : «زُبَراً » بفتح الباء{[32988]} . وقال مجاهد{[32989]} وقتادة «زُبراً » أي : كتباً ، أي : دان كلّ فريق بكتاب غير الكتاب الذي دان به الآخر .

وقيل : جعلوا كتبهم قطعاً آمنوا بالبعض وكفروا بالبعض وحرّفوا البعض { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } بما عندهم من الدين معجبون مسرورون{[32990]} .


[32982]:عند قوله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء: 105].
[32983]:انظر البغوي 6/23.
[32984]:انظر الفخر الرازي 23/106.
[32985]:انظر البغوي 6/23.
[32986]:زبرة الحديد: القطعة الضخمة منه، والجمع زبر. اللسان (زبر).
[32987]:من قوله تعالى: {آتوني زبر الحديد} [الكهف: 96]. انظر البغوي 6/23.
[32988]:وهي قراء الأعمش، وأبي عمرو بخلاف. تفسير ابن عطية 10/367 فمن قرأ "زبرا" فتأويله جعلوا دينهم كتبا مختلفة، جمع زبور. ومن قرأ "زبرا" أراد قطعا. جمع زبرة. معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/16، التبيان 2/957، اللسان (زبر).
[32989]:من هنا نقله ابن عادل عن البغوي 6/23.
[32990]:آخر ما نقله عن البغوي 6/23.