تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡجَلَآءَ لَعَذَّبَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ} (3)

فلولا أنه كتب عليهم الجلاء الذي أصابهم وقضاه عليهم وقدره بقدره الذي لا يبدل ولا يغير ، لكان لهم شأن آخر من عذاب الدنيا ونكالها ، ولكنهم - وإن فاتهم العذاب الشديد الدنيوي - فإن لهم في الآخرة عذاب النار ، الذي لا يمكن أن يعلم شدته إلا الله تعالى ، فلا يخطر ببالهم أن عقوبتهم قد انقضت وفرغت ولم يبق لهم منها بقية ، فما أعد الله لهم من العذاب في الآخرة أعظم وأطم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡجَلَآءَ لَعَذَّبَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ} (3)

والآية التالية تقرر أن إرادة الله في النكاية بهم ما كانت لتعفيهم بأية حالة من نكال يصيبهم في الدنيا غير ما ينتظرهم في الآخرة :

( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ، ولهم في الآخرة عذاب النار ) . .

فهو أمر مقرر أن ينالهم النكال من الله . بهذه الصورة التي وقعت أو بصورة أخرى . ولولا أن اختار الله جلاءهم لعذبهم عذابا آخر . غير عذاب النار الذي ينتظرهم هناك . فقد استحقوا عذاب الله في صورة من صوره على كل حال !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡجَلَآءَ لَعَذَّبَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاَءَ لَعَذّبَهُمْ فِي الدّنْيَا وَلَهُمْ فِي الاَخِرَةِ عَذَابُ النّارِ * ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَآقّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقّ اللّهَ فَإِنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىَ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ * وَمَآ أَفَآءَ اللّهُ عَلَىَ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلََكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ عَلَىَ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

حدثنا ابن حَميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان { وَما أفاءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ }يعني بني النضير { فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلَكِنّ الله يُسَلّط رُسُلَه على مَنْ يَشاءُ وَالله على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال حدثنا ورقاء جمعيا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله { فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ }قال : يذكر ربهم أنه نصرهم ، وكفاهم بغير كراع ، ولا عدّة في قريظة وخيبر ، ما أفاء الله على رسوله من قريظة ، جعلها لمهاجرة قريش .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله { وَما أفاءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلَكِنّ الله يُسَلّط رُسُلَه على مَنْ يَشاءُ وَالله على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }قال : أمر الله عزّ وجلّ نبيه بالسير إلى قريظة والنضير وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب فجعل ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم فيه ما أراد ، ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها . قال : والإيجاف : أن يوضعوا السير وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان من ذلك خيبر وَفدَك وقُرًى عَرَبيةً ، وأمر الله رسوله أن يعد لينبع ، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاحتواها كلها ، فقال ناس : هلا قسّمها ، فأنزل الله عزّ وجلّ عذره ، فقال : { ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِهِ مِنْ أهْل القُرَى فَلِلّهِ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبى وَاليتَامَى وَالمَساكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ }ثم قال : { وَما آتاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فانْتَهُوا . . . }الآية .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : { فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ }يعني يوم قُرَيظة .

وقوله : { وَلَكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ على مَنْ يَشاء } أعلمك أنه كما سلّط محمدا صلى الله عليه وسلم على بني النضير ، يخبر بذلك جلّ ثناؤه أن ما أفاء الله عليه من أموال لم يُوجِفِ المسلمون بالخيل والركاب ، من الأعداء مما صالحوه عليه له خاصة يعمل فيه بما يرى . يقول : فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما صار إليه أموال بني النضير بالصلح إلا عنوة ، ، فتقع فيها القسمة . { وَاللّه على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }يقول : والله على كلّ شيء أراده ذو قدرة لا يَعجزه شيء ، وبقُدرته على ما يشاء سلّط نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على ما سلط عليه من أموال بني النضير ، فحازه عليهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡجَلَآءَ لَعَذَّبَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ} (3)

أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه كتب على بني إسرائيل جلاء ، وكانت بنو النضير ممن حل بالحجاز بعد موت موسى عليه السلام بيسير ، لأنهم كانوا من الجيش الذي رجع وقد عصوا في أن لم يقتلوا الغلام ابن ملك العماليق لجماله وعقله ، وقد كان موسى عليه السلام قال لهم لا تستحيوا أحداً ، فلما رجع ذلك الجيش إلى بني إسرائيل بالشام وجدوا موسى ميتاً ، وقال لهم بنو إسرائيل أنتم عصاة والله لا دخلتم علينا بلادنا ، فقال أهل ذلك الجيش عند ذلك ليس لنا أحب من البلاد التي غلبنا أهلها ، فانصرفوا إلى الحجاز ، فكانوا فيه فلم يجر عليهم الجلاء الذي أجراه بختنصر على أهل الشام ، وقد كان الله تعالى كتب في الأزل على بني إسرائيل جلاء فنالهم هذا { الجلاء } على يدي محمد صلى الله عليه وسلم ، ولولا ذلك { لعذبهم } الله { في الدنيا } بالسيف والقتل كأهل بدر وغيرهم . ويقال : جلا الرجل وأجلاه غيره ، وقد يقال : أجلى الرجل نفسه بمعنى جلا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡجَلَآءَ لَعَذَّبَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ} (3)

{ وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الجلاء لَعَذَّبَهُمْ فِى الدنيا } .

جملة معترضة ناشئة عن جملة { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب } [ الحشر : 2 ] . فالواو اعتراضية ، أي أخرجهم الله من قريتهم عقاباً لهم على كفرهم وتكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم كما قال : { ذلك بأنهم شاقّوا الله ورسوله } [ الحشر : 4 ] ولو لم يعاقبهم الله بالجلاء لعاقبهم بالقَتل والأسر لأنهم استحقّوا العقاب . فلو لم يقذف في قلوبهم الرعب حتى استسلموا لعاقبهم بجوع الحصار وفتح ديارهم عنوة فعذبوا قتلاً وأسراً .

والمراد بالتعذيب : الألم المحسوس بالأبدان بالقتل والجرح والأسر والإِهانة وإلاّ فإن الإِخراج من الديار نكبة ومصيبة لكنها لا تدرك بالحس وإنما تدرك بالوجدان .

و { لولا } حرف امتناع لوجود ، تفيد امتناع جوابها لأجل وجود شرطها ، أي وجود تقدير الله جلاءهم سبب لانتفاء تعذيب الله إياهم في الدنيا بعذاب آخر .

وإنما قدر الله لهم الجلاء دون التعذيب في الدنيا لمصلحة اقتضتها حكمته ، وهي أن يأخذ المسلمون أرضهم وديارهم وحوائطهم دون إتلاف من نفوس المسلمين مما لا يخلو منه القتال لأن الله أراد استبقاء قوة المسلمين لما يستقبل من الفتوح ، فليس تقدير الجلاء لهم لقصد اللطف بهم وكرامتهم وإن كانوا قد آثروه على الحرب .

ومعنى { كتب الله عليهم } قَدّر لهم تقديراً كالكتابة في تحقق مضمونه وكان مظهر هذا التقدير الإِلهي ما تلاحق بهم من النكبات من جلاء النضير ثم فتح قريظة ثم فتح خيبر .

والجلاء : الخروج من الوطن بنية عدم العود ، قال زهير :

فإن الحق مقطعه ثلاث *** يمين أو نفارٌ أو جَلاء

وأعلم أن { أنْ } الواقعة بعد { لولا } هنا مصدريةٌ لأن { أَنْ } الساكنة النون إذا لم تقع بعد فعل عِلم يقين أو ظن ولا بعد ما فيه معنى القول ، فهي مصدرية وليست مخففة من الثقيلة .

{ وَلَهُمْ فِى الأخرة عَذَابُ النار } .

عطف على جملة { ولولا أن كتب الله عليهم } الآية ، أو على جملة { هو الذي أخرج الذين كفروا } [ الحشر : 2 ] ، وليس عطفاً على جواب { لولا } فإن عذاب النار حاقّ عليهم وليس منتفياً . والمقصود الاحتراس من توهم أنَّ الجلاء بَدل من عذاب الدنيا ومن عذاب الآخرة .