{ ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا } [ 3 ] يعني : بالسيف والسبي . وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجلى بني النضير إلى الشام قال لهم امضوا هذا أول الحشر وأنا على الأثر {[67779]} {[67780]} .
قال عكرمة : إن شككتم أن الشام أرض المحشر فاقرأوا {[67781]} أول الحشر {[67782]} .
وقال ابن عباس : لأول الحشر ، أنهم {[67783]} أول من حشر من أهل الكتاب وأخرج من ديارهم {[67784]} .
ثم قال : { ما ظننتم أن يخرجوا } يقوله للمؤمنين ، لم تظنوا أيها المؤمنون أنهم يخرجون من ديارهم/ لشدتهم واجتماع كلمتهم .
{ وظنوا {[67785]} أنهم مانعتهم حصونهم من الله } روي أن المنافقين بعثوا إليهم من المدينة لما حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم {[67786]} يأمرونهم بالثبات في حصونهم ويعدونهم النصرة {[67787]} ، وهو قوله : { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب } {[67788]} الآية {[67789]} .
وقوله : { لأول الحشر } هو إخراج النبي {[67790]} بني النضير من المدينة إلي خيبر ، وآخر الحشر هو إخراجهم من خيبر إلى أريحا وأذارعات ، وذلك على يد عمر رضي الله عنه {[67791]} {[67792]} . وقيل آخر {[67793]} حشرهم يوم القيامة {[67794]} .
ثم قال : { فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا } أي : فجاءهم أمر الله ، فقذف في قلوبهم الرعب عند نزول النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بهم ، فذهب ما كانوا يظنون أن حصونهم مانعة لهم {[67795]} من النبي عليه السلام {[67796]} وأصحابه .
وقال أبو صالح : معنى : { فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا } : هو قتل كعب ابن الأشرف {[67797]} {[67798]} .
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم {[67799]} أنه قال : " نصرت بالرعب على مسيرة شهر " {[67800]} .
ومعنى { يحتسبوا } : يظنوا {[67801]} . وقيل : يعلموا ، من قول الناس : حسبه الله : أي : العالم بخبره الله ، وهو الذي يجازيه {[67802]} .
وقيل : معناه : كافي إياك الله . من قولهم : أحسب الشيء : إذا كفاه {[67803]} وقيل حسبك {[67804]} الله : معناه : محاسبك ، كشريب بمعنى شارب {[67805]} . وقيل : حسبك {[67806]} الله معناه ، المقتدر عليك الله ، ومنه قوله : { كان على كل شيء حسيبا } {[67807]} أي : مقتدرا {[67808]} .
ثم قال : { يخربون ديارهم بأيديهم } {[67809]} . من خفف فمعناه : [ يتركونها معطلة ، والبيت المعطل خراب ، وقيل معناه يهدمونها ، ومن يشدد ] {[67810]} فمعناه : يهدمونها أيضا {[67811]} : كأذكرت الرجل {[67812]} وذكرته ( وأبلغته ) {[67813]} {[67814]} ، ومعناه : أن المؤمنين كانوا يهدمون الحصون ليدخلوا عليهم البيوت واليهود [ يهدمون بيوتهم ويبنون ما هدم المؤمنون من الحصن فهم والمؤمنون يهدمون ] {[67815]} مساكنهم وبيوتهم قاله ابن عباس والضحاك {[67816]} .
وقيل : إنهم/ لما صولحوا على ما حملت إبلهم كان أحدهم ينظر إلى الخشبة في منزله فيستحسنها والعمود {[67817]} والباب . فينزع ذلك ويهدمه فيحمله معه ، والمؤمنون يهدمون ما بقي {[67818]} .
قال قتادة : جعل المؤمنون يخربون من ظاهر وجعلوا هم يخربون من داخل {[67819]} .
قال الزهري لما صالحوا كانوا لا تعجبهم خشبة إلا أخذوها ، فكان ذلك خرابهم لبيوتهم ، وهو معنى قول ابن زيد {[67820]} .
قال قتادة : كان المسلمون يخربون من خارج ليدخلوا على اليهود ، واليهود يخربون من داخل {[67821]} .
ثم قال { فاعتبروا يا أولي الأبصار } أي : فاتعظوا يا معشر ذوي الأفهام بما أحل الله بهؤلاء اليهود .
وقيل معناه : يا من أبصر بعينه ، والأول أحسن .
والاعتبار اشتقاقه من عبر إلى كذا : إذا جازوا إليه ، والعبرة منه لأنها متجاوزة من العين إلى الخد {[67822]} .
ثم قال { ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا } أي : لولا أن الله عز وجل {[67823]} ( قضى وحتم على هؤلاء اليهود الجلاء ) {[67824]} لعذبهم في الدنيا بالسيف [ والسبي ] {[67825]} ، ولهم مع ذلك في الآخرة عذاب النار .
قال الزهري : كان النضير من سبط لم يصبهم جلاء قط فيما مضى ، وكان الله عز وجل {[67826]} قد كتب عليهم الجلاء ، فأتم فيهم قضاءه ، ولولا ذلك لعذبهم بالسيف والسبي في الدنيا {[67827]} .
والجلاء : الانتقال من مكان إلى مكان ، يقال جلا القوم من منازلهم وأجليتهم {[67828]} . وحكى أحمد بن {[67829]}يحيى : أجلي {[67830]} القوم من منازلهم . بمعنى : جلوا {[67831]} .
وحكى غيره : جلوا عن منازلهم يجلون {[67832]} ، قال ابن عباس {[67833]} كان النبي عليه السلام {[67834]} قد حاصرهم حتى بلغ بهم كل مبلغ فأعطوا ما أراد منهم ، فصالحهم على أن يحقن {[67835]} لهم دماءهم {[67836]} ، وأن يخرجهم من {[67837]} أرضهم ويسيرهم {[67838]} إلى أذرعات الشام ، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا وسقاء {[67839]} {[67840]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.