{ 15 - 17 ْ } { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ْ }
يذكر تعالى تعنت المكذبين لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم إذا تتلى عليهم آيات الله القرآنية المبينة للحق ، أعرضوا عنها ، وطلبوا وجوه التعنت فقالوا ، جراءة منهم وظلما : { ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ْ } فقبحهم الله ، ما أجرأهم على الله ، وأشدهم ظلما وردا لآياته .
فإذا كان الرسول العظيم يأمره الله ، أن يقول لهم : { قُلْ مَا يَكُونُ لِي ْ } أي : ما ينبغي ولا يليق { أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ْ } فإني رسول محض ، ليس لي من الأمر شيء ، { إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ْ } أي : ليس لي غير ذلك ، فإني عبد مأمور ، { إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ْ } فهذا قول خير الخلق وأدبه مع أوامر ربه ووحيه ، فكيف بهؤلاء السفهاء الضالين ، الذين جمعوا بين الجهل والضلال ، والظلم والعناد ، والتعنت والتعجيز لرب العالمين ، أفلا يخافون عذاب يوم عظيم ؟ " .
فإن زعموا أن قصدهم أن يتبين لهم الحق بالآيات التي طلبوا فهم كذبة في ذلك ، فإن الله قد بين من الآيات ما يؤمن على مثله البشر ، وهو الذي يصرفها كيف يشاء ، تابعا{[393]} لحكمته الربانية ، ورحمته بعباده .
وهنا يتحول السياق من خطابهم إلى عرض نماذج من أعمالهم بعد استخلافهم .
لقد استخلفوا بعد القوم المجرمين . فماذا فعلوا ?
( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا : ائت بقرآن غير هذا أو بدله . قل : ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ، إن أتبع إلا ما يوحى إلي ، إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم . قل : لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ، فقد لبثت فيكم عمرا من قبله . أفلا تعقلون ? فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته ? إنه لا يفلح المجرمون ) . .
( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ؛ ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله . قل : أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض ? سبحانه وتعالى عما يشركون . وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ، ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون . ويقولون : لولا أنزل عليه آية من ربه ، فقل : إنما الغيب لله ، فانتظروا إني معكم من المنتظرين ) .
هكذا كان عملهم بعد الاستخلاف ، وهكذا كان سلوكهم مع الرسول ! ! !
( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا : ائت بقرآن غير هذا أو بدله ) . .
وهو طلب عجيب لا يصدر عن جد ، إنما يصدر عن عبث وهزل ؛ وعن جهل كذلك بوظيفة هذا القرآن وجدية تنزيله . وهو طلب لا يطلبه إلا الذين لا يظنون أنهم سيلقون الله !
إن هذا القرآن دستور حياة شامل ، منسق بحيث يفي بمطالب هذه البشرية في حياتها الفردية والجماعية ،
ويهديها إلى طريق الكمال في حياة الأرض بقدر ما تطيق ، ثم إلى الحياة الأخرى في نهاية المطاف . ومن يدرك القرآن على حقيقته لا يخطر له أن يطلب سواه ، أو يطلب تبديل بعض أجزائه .
وأغلب الظن أن أولئك الذين لا يتوقعون لقاء الله ؛ كانوا يحسبون المسألة مسألة مهارة ، ويأخذونها مأخذ المباريات في أسواق العرب في الجاهلية . فما على محمد أن يقبل التحدي ويؤلف قرآنا آخر ، أو يؤلف جزءا مكان جزء ? !
قال : ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي . إن أتبع إلا ما يوحى إلي . إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم . .
إنها ليست لعبة لاعب ولا مهارة شاعر . إنما هو الدستور الشامل الصادر من مدبر الكون كله ، وخالق الإنسان وهو أعلم بما يصلحه . فما يكون للرسول أن يبدله من تلقاء نفسه . وإن هو إلا مبلغ متبع للوحي الذي يأتيه . وكل تبديل فيه معصية وراءها عذاب يوم عظيم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ قَالَ الّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هََذَآ أَوْ بَدّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيَ أَنْ أُبَدّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيَ إِنْ أَتّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَىَ إِلَيّ إِنّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } .
يقول تعالى ذكره : وإذا قرىء على هؤلاء المشركين آيات كتاب الله الذي أنزلناه إليك يا محمد بينات واضحات على الحقّ دالات . قالَ الّذِينَ لا يَرْجَوْنَ لِقاءَنَا يقول : قال الذين لا يخافون عقابنا ولا يوقنون بالمعاد إلينا ولا يصدّقون بالبعث لك : ائْتِ بقُرآنٍ غيرِ هَذَا أوْ بَدّلْهُ بقول : أو غيره . قُلْ لهم يا محمد : ما يَكُونُ لي أنْ أُبَدّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي أي من عندي .
والتبديل الذي سألوه فيما ذُكر ، أن يحوّل آية الوعيد آية وعد وآية الوعد وعيدا والحرام حلالاً والحلال حراما ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم أن ذلك ليس إليه ، وأن ذلك إلى من لا يردّ حكمه ولا يتعقب قضاؤه ، وإنما هو رسول مبلغ ومأمور متبع .
وقوله : إنْ أتّبِعُ إلاّ ما يُوحَى إليّ يقول : قل لهم : ما أتبع في كلّ ما آمركم به أيها القوم وأنهاكم عنه إلا ما ينزله إليّ ربي ويأمرني به . إنّي أخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبي عَذَابَ يَوْمِ عَظِيم يقول إني أخشى من الله إن خالفت أمره وغيرت أحكام كتابه وبدّلت وحيه فعصيته بذلك ، عذابَ يومٍ عظيمٍ هَوْلُهُ ، وذلك يَوْمَ تَذْهَلُ كُلّ مُرْضِعَة عَمّا أرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلّ ذَاتِ حَملْ حَمْلَها وَتَرَى النّاسَ سُكَارَى ومَا هُمْ بِسُكارَى .
قوله تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } الآية ، هذه الآية نزلت في قريش لأن بعض كفارهم قال هذه المقالة على معنى ساهلنا يا محمد واجعل هذا الكلام الذي هو من قبلك على اختيارنا وأحل ما حرمته وحرم ما حللته ليكون أمرنا حينئذ واحداً وكلمتنا متصلة ، فذم الله هذه الصنعة وذكرهم بأنهم يقولون هذا للآيات البيّنات ، ووصفهم لأنهم لا يؤمنون بالبعث ، ثم أمر الله نبيه عليه السلام أن يرد عليهم بالحق الواضح وأن يستسلم ويتبع حكم الله تعالى ويعلم بخوفه ربه ، و «اليوم العظيم » يوم القيامة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.