السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَاتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا ٱئۡتِ بِقُرۡءَانٍ غَيۡرِ هَٰذَآ أَوۡ بَدِّلۡهُۚ قُلۡ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أُبَدِّلَهُۥ مِن تِلۡقَآيِٕ نَفۡسِيٓۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۖ إِنِّيٓ أَخَافُ إِنۡ عَصَيۡتُ رَبِّي عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ} (15)

{ وإذا تتلى عليهم } أي : وإذا قرئ على هؤلاء المشركين . { آياتنا } أي : القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد حالة كون تلك الآيات { بينات } أي : ظاهرات تدل على وحدانيتنا وصحة نبوّتك . { قال الذين لا يرجون لقاءنا } أي : لا يخافون عذابنا ، ولا يرجون ثوابنا ؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث بعد الموت ، وكل من كان منكراً للبعث بعد الموت ؛ فإنه لا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً . { ائت } أي : من عندك { بقرآن } أي : كلام مجموع جامع لما نريد . { غير هذا } في نظمه ومعناه . { أو بدله } بألفاظ أخرى ، والمعاني باقية ، وقد كانوا عالمين بأنه صلى الله عليه وسلم مثلهم في العجز عن ذلك ، ولكنهم قصدوا أن يأخذ في التغيير حرصاً على إجابة مطلوبهم ، فيبطل مدعاه أو يهلك ، واختلف في هذا القائل .

فقال قتادة : هم مشركو أهل مكة . وقال مقاتل : هم خسمة نفر : عبد الله بن أمية الجمحي ، والوليد بن المغيرة ، ومكدر بن حفص ، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري ، والعاصي بن عامر بن هشام ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت تريد أن نؤمن بك فأت بقرآن ليس فيه ترك لعبادة اللات والعزى ومناة ، وليس فيه عيبها ، وإن لم ينزله الله فقل أنت من عند نفسك أو بدله ، فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة ، أو مكان حرام حلالاً ، أو مكان حلالاً حراماً ، ولما كان كأنه قيل فماذا أقول لهم ؟ قال الله تعالى : { قل } لهم { ما يكون } أي : ما يصح { لي } ولا يتصوّر بوجه من الوجوه { أن أبدله من تلقاء } أي : قبل { نفسي } وإنما اكتفى بالجواب عن التبديل لاستلزام امتناعه امتناع الإتيان بقرآن آخر ، وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الباء والباقون بالسكون { إن } أي : ما { أتبع إلا ما يوحى إليّ } فيما آمركم به أو أنهاكم عنه ، أي : لا آتي بشيء ولا أذر شيئاً من نحو ذلك إلا متبعاً لوحي الله تعالى وأوامره ، إن نسخت آية تبعت النسخ ، وإن بدلت آية مكان آية تبعت التبديل ، وليس إليّ تبديل ولا نسخ { إني أخاف إن عصيت ربي } أي : بتبديله { عذاب يوم عظيم } فإني مؤمن به غير مكذب ولا شاك كغيري ممن يتكلم الهذيان بما لا يخاف عاقبته في ذلك اليوم الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت . وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو لي وإني بفتح الياء ، والباقون بالسكون .