تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍۚ أَفَلَا يَسۡمَعُونَ} (26)

{ 26 - 27 } { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ }

يعني : أولم يتبين لهؤلاء المكذبين للرسول ، ويهدهم إلى الصواب . { كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ } الذين سلكوا مسلكهم ، { يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ } فيشاهدونها عيانًا ، كقوم هود ، وصالح ، وقوم لوط .

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ } يستدل بها ، على صدق الرسل ، التي جاءتهم ، وبطلان ما هم عليه ، من الشرك والشر ، وعلى أن من فعل مثل فعلهم ، فُعِلَ بهم ، كما فُعِلَ بأشياعه من قبل .

وعلى أن اللّه تعالى مجازي العباد ، وباعثهم للحشر والتناد . { أَفَلَا يَسْمَعُونَ } آيات اللّه ، فيعونها ، فينتفعون بها ، فلو كان لهم سمع صحيح ، وعقل رجيح ، لم يقيموا على حالة{[686]}  يجزم بها ، بالهلاك .


[686]:- كذا في ب، وفي أ: على حالة لم يجزم، والصواب -والله أعلم- حذف لم.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍۚ أَفَلَا يَسۡمَعُونَ} (26)

وبعد هذه الإشارة يأخذ السياق المكذبين في جولة مع مصارع الغابرين :

أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ? إن في ذلك لآيات . أفلا يسمعون ? .

ومصارع الغابرين من القرون تنطق بسنة الله في المكذبين ، وسنة الله ماضية لا تتخلف ولا تحابي . وهذه البشرية تخضع لقوانين ثابتة في نشوئها ودثورها ، وضعفها وقوتها . والقرآن الكريم ينبه إلى ثبات هذه القوانين ، واطراد تلك السنن ، ويتخذ من مصارع القرون ، وآثار الماضين ، الدارسة الخربة ، أو الباقية بعد سكانها موحشة . يتخذ منها معارض للعبرة ، وإيقاظ القلوب ، وإثارة الحساسية ، والخوف من بطش الله وأخذه للجبارين . كما يتخذ منها معارض لثبات السنن والنواميس . ويرفع بهذا مدارك البشر ومقاييسهم ، فلا ينعزل شعب أو جيل في حدود الزمان والمكان ؛ وينسى النظام الثابت في حياة البشر ، المطرد على توالي القرون . وإن كان الكثيرون ينسون العبرة حتى يلاقوا نفس المصير !

وإن للآثار الخاوية لحديثا رهيبا عميقا ، للقلب الشاعر ، والحس المبصر ، وإن له لرجفة في الأوصال ، ورعشة في الضمائر ، وهزة في القلوب . ولقد كان العرب المخاطبون بهذه الآية ابتداء يمشون في مساكن عاد وثمود ويرون الآثار الباقية من قرى قوم لوط . والقرآن يستنكر أن تكون مصارع هذه القرون معروضة لهم ؛ وأن تكون مساكن القوم أمامهم ، يمرون عليها ويمشون فيها ؛ ثم لا يستجيش هذا قلوبهم ، ولا يهز مشاعرهم ، ولا يستثير حساسيتهم بخشية الله ، وتوقي مثل هذا المصير ؛ ولا يهدي لهم ويبصرهم بالتصرف المنجي من استحقاق كلمة الله بالأخذ والتدمير :

( إن في ذلك لآيات . أفلا يسمعون ? ) . .

يسمعون قصص الغابرين الذين يمشون في مساكنهم ، أو يسمعون هذا التحذير ، قبل أن يصدق بهم النذير ، ويأخذهم النكير !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍۚ أَفَلَا يَسۡمَعُونَ} (26)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أَوَ لم يبين لهم ؟ كما :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس أوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ يقول : أو لم يبين لهم .

وعلى القراءة بالياء في ذلك قرّاء الأمصار ، وكذلك القراءة عندنا لإجماع الحجة من القرّاء ، بمعنى : أو لم يبين لهم إهلاكنا القرون الخالية من قبلهم ، سنتنا فيمن سلك سبيلهم من الكفر بآياتنا ، فيتعظوا وينزجروا . وقوله كَمْ إذا قُرىء يهْدِ بالياء ، في موضع رفع بيهد . وأما إذا قرىء ذلك بالنون «أوَ لَمْ نَهْدِ » فإن موضع «كم » وما بعدها نصب . وقوله : يَمْشونَ فِي مَساكِنهمْ يقول تعالى ذكره : أو لم يبين لهن كثرة إهلاكنا القرون الماضية من قبلهم يمشون في بلادهم وأرضهم ، كعاد وثمود . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أو لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهمْ مِنَ القُرُونِ عاد وثمود وأنهم إليهم لا يُرجعون .

وقوله : إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ يقول تعالى ذكره : إن في خلاء مساكن القرون الذين أهلكناهم من قبل هؤلاء المكذّبين بآيات الله من قريش من أهلها الذين كانوا سكانها وعمّارها بإهلاكنا إياهم لما كذّبوا رسلنا ، وجحدوا بآياتنا ، وعبدوا من دون الله آلهة غيره التي يمرّون بها فيعاينونها ، لاَيات لهم وعظات يتعظون بها ، لو كانوا أولي حجا وعقول . يقول الله : أفَلا يَسْمَعُونَ عظات الله وتذكيره إياهم آياته ، وتعريفهم مواضع حججه ؟

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍۚ أَفَلَا يَسۡمَعُونَ} (26)

{ يهد } معناه يبين قاله ابن عباس ، وقرأ جمهور الناس «يهد » بالياء فالفاعل الله تعالى في قول فرقة والرسول في قول فرقة ، كأنه قال «أو لم يبين لهم الهدى » ، وجوز الكوفيون أن يكون الفاعل { كم } ، ولا يجوز ذلك عند البصريين لأنها في الخبر على حكمها في الاستفهام في أنها لا يعمل فيها ما قبلها ، وقرأ أبو عبد الرحمن «نهد » بالنون وهي قراءة الحسن وقتادة ، فالفاعل الله تعالى ، و { كم } في موضع نصب ، فعند الكوفيين ب «نهد » وعند البصريين ب { أهلكنا } ، على القراءتين جميعاً ، وقرأ جمهور الناس «يَمشون » بفتح الياء وتخفيف الشين ، وقرأ ابن السميفع اليماني «يُمَشّون » بضم الياء وفتح الميم وشد الشين ، وقرأ عيسى بن عمر «يُمْشُون » بضم الياء وسكون الميم وشين مضمومة مخففة ، والضمير في { يمشون } يحتمل أن يكون للمخاطبين بالتنبيه المحتج عليهم ، ويحتمل أن يكون للمهلكين ف { يمشون } في موضع الحال ، أي أهلكوا وهم ماشون في مساكنهم ، والضمير في { يسمعون } للمنبهين ، ومعنى هذه الآية إقامة الحجة على الكفرة بالأمم السالفة الذين كفروا فأهلكوا .