{ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } أي : يجمعون بين الأمرين الذميمين ، اللذين كل منهما كاف في الشر البخل : وهو منع الحقوق الواجبة ، ويأمرون الناس بذلك ، فلم يكفهم بخلهم ، حتى أمروا الناس بذلك ، وحثوهم على هذا الخلق الذميم ، بقولهم وفعلهم ، وهذا من إعراضهم عن طاعة ربهم وتوليهم عنها ، { وَمَنْ يَتَوَلَّ } عن طاعة الله فلا يضر إلا نفسه ، ولن يضر الله شيئا ، { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } الذي غناه من لوازم ذاته ، الذي له ملك السماوات والأرض ، وهو الذي أغنى عباده وأقناهم ، الحميد الذي له كل اسم حسن ، ووصف كامل ، وفعل جميل ، يستحق أن يحمد عليه ويثنى ويعظم .
( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ) . .
ووجه الصلة بين الحقيقة السابقة وبين الاختيال والفخر ، ثم بين هذا وذلك وبين البخل والأمر بالبخل ، هو أن من يشعر بأن كل ما يصيبه هو من أمر الله ، لا يختال ولا يفخر بما يعطاه . ولا يبخل ولا يأمر بالبخل في عطاء . فأما الذي لا يشعر بتلك الحقيقة فيحسب أن ما يؤتاه من مال وقوة وجاه هو من كسبه فيفخر ويختال به ؛ ثم يبخل كذلك ببذل شيء منه ، ويحث غيره على البخل ليحقق مبدأه ومنهجه !
( ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ) . .
فمن ينفق فإنما ينفق لنفسه ، ومن يستجب فإنما يستجيب لمصلحته . والله هو الغني فما به من حاجة إلى العباد المحاويج . والله هو الحميد بذاته فما يناله شيء من حمد الحامدين !
القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلّ فَإِنّ اللّهَ هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ } .
يقول تعالى ذكره : والله لا يحبّ كلّ مختال فخور ، الباخلين بما أوتوا في الدنيا على اختيالهم به وفخرهم بذلك على الناس ، فهم يبخلون بإخراج حق الله الذي أوجبه عليهم فيه ، ويشِحّون به ، وهم مع بخلهم به أيضا يأمرون الناس بالبخل .
وقوله : وَمَنْ يَتَولّ فإنّ اللّهَ هُوَ الغَنِيّ الحَمِيدُ يقول تعالى ذكره : ومن يُدْبِرْ مُعْرِضا عن عظة الله فإنّ اللّهَ هُوَ الغَنِيّ الْحَمِيدُ يقول تعالى ذكره : ومن يدبر معرضا عن عظة الله ، تاركا العمل بما دعاه إليه من الإنفاق في سبيله ، فرِحا بما أوتي من الدنيا مختالاً به فخورا بخيلاً ، فإن الله هو الغنيّ عن ماله ونفقته ، وعن غيره من سائر خلقه ، الحميد إلى خلقه بما أنعم به عليهم من نِعمه . واختلف أهل العربية في موضع جواب قوله : الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيأْمَرُونَ النّاس بالبُخْلِ فقال بعضهم : استغنى بالأخبار التي لأشباههم ، ولهم في القرآن ، كما قال : وَلَوْ أنّ قُرْآنا سُيّرَتْ بِهِ الجِبالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّمَ بِهِ المَوْتَى ، ولم يكن في ذا الموضع خبر والله أعلم بما ينزل ، هو كما أنزل ، أو كما أراد أن كون . وقال غيره من أهل العربية : الخبر قد جاء في الآية التي قبل هذه الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيأْمُرُونَ النّاسَ بالبُخْلِ وَمنْ يَتَولّ فإنّ اللّهَ هُوَ الغَنِيّ الْحَمِيدُ عطف بجزاءين على جزاء ، وجعل جوابهما واحدا ، كما تقول : إن تقم وإن تحسن آتك ، لا أنه حذف الخبر .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : فإنّ اللّهَ هُوَ الغَنِيّ الْحَمِيدُ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة «فإنّ اللّهَ الغَنِيّ » بحذف هو من الكلام ، وكذلك ذلك في مصاحفهم بغير هو . وقرأته عامة قرّاء الكوفة فإنّ اللّهَ هُوَ الغَنِيّ الْحَمِيدُ بإثبات هو في القراءة ، وكذلك هو في مصاحفهم .
والصواب من القول أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . )
الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل بدل من كل مختال فإن المختال بالمال يضن به غالبا أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد لأن معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غني عنه وعن إنفاقه محمود في ذاته لا يضره الإعراض عن شكره ولا ينفعه التقرب إليه بشكر من نعمه وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإنفاق لمصلحة المنفق وقرأ نافع وابن عامر فإن الله الغني .
اختلف النحاة في إعراب : { الذين } فقال بعضهم : هم في موضع رفع على الابتداء ، والخبر عنهم محذوف معناه الوعيد والذم ، وحذفه على جهة الإبهام كنحو حذف الجواب في قوله تعالى : { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض } الآية{[10986]} [ الرعد : 32 ] ، وقال بعضهم : هم رفع على خبر الابتداء تقديره هم الذين { يبخلون } . وقال بعضهم في موضع نصب صفة ل { كل } [ الحديد : 23 ] ، لأن كلاًّ وإن كان نكرة فهو يخصص نوعاً ما فيسوغ لذلك وصفه بالمعرفة ، وهذا مذهب الأخفش . و : { يبخلون } معناه : بأموالهم وأفعالهم الحسنة من إيمانهم وغير ذلك .
وقوله تعالى : { ويأمرون الناس } يحتمل أن يصفهم بحقيقة الأمر بألسنتهم ، ويحتمل أن يريد أنهم يقتدى بهم في البخل فهم لذلك كأنهم يأمرون .
وقرأ الحسن : «بالبَخَل » بفتح الباء والخاء . وقرأ جمهور القراء وأهل العراق : «فإن الله هو الغني الحميد » بإثبات : «هو » ، وكذلك في «إمامهم » . وقرأ نافع وابن عامر : «فإن الله الغني الحميد » بترك «هو » ، وهي قراءة أهل المدينة ، وكذلك في «إمامهم » ، وهذا لم يثبت قراءة إلا وقد قرئ على النبي صلى الله عليه وسلم بالوجهين . قال أبو علي ، ف «هو » في القراءة التي ثبت فيها يحسن أن يكون ابتداء ، لأن حذف الابتداء غير سائغ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.