بعد ذلك يعرض نموذجا من نماذج الخيبة التي ينتهي إليها من يدسي نفسه ، فيحجبها عن الهدى ويدنسها . ممثلا هذا النموذج فيما أصاب ثمود من غضب ونكال وهلاك :
( كذبت ثمود بطغواها . إذ انبعث أشقاها . فقال لهم رسول الله : ناقة الله وسقياها . فكذبوه فعقروها . فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها . ولا يخاف عقباها ) . .
وقد وردت قصة ثمود ونبيها صالح - عليه السلام - في مواضع شتى من القرآن . وسبق الحديث عنها في كل موضع . وأقربها ما جاء في هذا الجزء في سورة " الفجر " فيرجع إلى تفصيلات القصة هناك .
فأما في هذا الموضع فهو يذكر أن ثمود بسبب من طغيانها كذبت نبيها ، فكان الطغيان وحده هو سبب التكذيب .
وقوله : كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها يقول : كذّبت ثمود بطغيانها ، يعني : بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام ، فكان ذلك العذاب طاغيا طغى عليهم ، كما قال جلّ ثناؤه : فأمّا ثَمُودُ فأُهْلِكُوا بالطّاغيَة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وإن كان فيه اختلاف بين أهل التأويل . ذكر من قال القول الذي قلنا في ذلك :
حدثني سعيد بن عمرو السّكونيّ ، قال : حدثنا الوليد بن سَلَمة الفِلَسْطِينيّ ، قال : ثني يزيد بن سمرة المَذحِجيّ عن عطاء الخُراسانيّ ، عن ابن عباس ، في قول الله : كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها قال : اسم العذاب الذي جاءها ، الطّغْوَى ، فقال : كذّبت ثمود بعذابها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها : أي بالطغيان .
وقال آخرون : كذّبت ثمود بمعصيتهم الله . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال : معصيتها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال : بطغيانهم وبمعصيتهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك بأجمعها . ذكر من قال ذلك :
28979حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب وابن لَهِيعة ، عن عُمارة بن غزية ، عن محمدبن رفاعة القُرَظِيّ ، عن محمد بن كعب ، أنه قال : كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال : بأجمعها .
حدثني ابن عبد الرحيم الَبْرِقيّ ، قال : حدثنا ابن أبي مَرْيم ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، قال : ثني عُمارة بن غزية ، عن محمد بن رفاعة القُرَظِيّ ، عن محمد بن كعب ، مثله .
وقيل طَغْوَاها بمعنى : طغيانهم ، وهما مصدران ، للتوفيق بين رؤوس الاَي ، إذ كانت الّطْغَوى أشبه بسائر رؤوس الاَيات في هذه السورة ، وذلك نظير قوله : وآخِرُ دَعْوَاهُمْ بمعنى : وآخر دعائهم .
ولما ذكر تعالى خيبة من دسى نفسه ، ذكر فرقة فعلت ذلك يعتبر بهم وينتهى عن مثل فعلهم ، و «الطغوى » مصدر ، وقرأ الحسن وحماد بن سليمان «بطُغواها » بضم الطاء مصدر كالعقبى والرجعى ، وقال ابن عباس : «الطغوى » هنا العذاب كذبوا به حتى نزل بهم ، ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى : { فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية }{[11851]} [ الحاقة : 5 ] ، وقال جمهور المتأولين الباء سببية ، والمعنى كذبت ثمود بنبيها بسبب طغيانها وكفرها
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.